في هذا العيد وهذا الحدث، نتوقف عند ثلاثة أبعاد أساسيّة:
البعد الأوّل: إن حدث التجلّي حصل بعدما أعلن بطرس إيمانه بيسوع في قيصريّة فيليبوس أنه المسيح ابن الله الحيّ، فكشف الربّ يسوع بتجلّيه أنه المسيح ابن الله الحيّ وتجلّى بكمال ألوهيّته وعبّر عن أنها مخفيّة في الإنسان، ولكنه أراد أن يقول من خلال هذا الحدث ماذا تصنع النعمة في الإنسان؟ كيف تجمّله وكيف تجعل منه مجليًا على صورة الله وتظهر لنا وجه الأبرار الذين يقول عنهم الربّ يسوع في الإنجيل في موقع آخر: «ويتلألأ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم». وإذا تمكّنا بعقلنا الإنساني أن نفهم معنى تلألؤ العذراء مريم ومار يوسف وجميع القديسين كالشمس في ملكوت الآب من خلال وجه المسيح المتجلّي وهذه الدعوة موجّهة لنا كي ننفتح لنعمة المسيح التي وحدها تجمّل الإنسان وتنقّيه وتعطيه بهاء إنسانيّته كصورة الله.
البعد الثاني: استباق القيامة وإظهار أنها تجعله في عمق الألوهيّة بعد الآلام والصلب ليؤكد لنا أننا جميعًا من خلال آلامنا والصعوبات التي نمرّ بها وما أكثرها اليوم وما أصعبها في هذه الأيّام مدعوّون للقيامة، فنحن أبناء القيامة ولسنا أبناء الموت، نحن نموت ماديًّا ومعنويًّا وجسديًّا وروحيًّا ولكننا مدعوّون لنعيش رجاء القيامة .وقد استبق حدث القيامة بحدث التجلّي مع الرسل الثلاثة بطرس الذي سلّمه السلطة ويعقوب الشجاع في نقل الإنجيل وأسقف أورشليم وأوّل شهيد بين التلاميذ الرسل، ويوحنا التلميذ الحبيب الذي سلّمه أمّه .الرسل الثلاثة الأساسيّون بين الرسل جعلهم شهودًا لسرّ تجلّيه واستباق قيامته، فعندما أخبرهم بأنه سيُصْلَب ويُعذّب ويتألم ويموت، حزنوا جميعهم وصُدِموا، وقال بطرس له: لن نقبل لك ذلك. لكن يسوع أجاب: أنت ما زلت تفكّر كالبشر! عليك الدخول بتفكيري. لقد تفاجأوا بعدما رأوا ما قام به من عجائب وشفاءات، ولم يقبلوا أن يتألم ويُصْلَب ويموت. فكان التجلّي كي يشدّدهم ويؤكد لهم أن مصيره لا ينتهي بالصلب بل يوم الأحد بالقيامة، وهذا تأكيد لكل واحد منا أننا جماعة الرجاء ومهما كانت الصعوبات نحن نتمسّك بيسوع القائم من الموت، سيّد التاريخ الذي يعرف كيف يخرجنا من حالة الموت إلى جمال ورجاء القيامة.
البعد الثالث وهو حضور موسى وإيليّا للدلالة على أن موسى يعني الشريعة وإيليّا يعني النبوءة، ويعني ذلك أن بشخص يسوع اكتمال كل شريعة ونبوءة، فهو كل الكتاب المقدّس، كل الوحي الإلهي وهو الأساس الأوّل والأخير والجوهر في كل شيء. وهذه أيضًا دعوة لنا كي نعرف كيف يمكننا أن نرى بيسوع كل مبتغانا فهو الجواب لكل التساؤلات الإنسانيّة وما من جواب عن معنى الموت ومعنى الحياة ومعنى النجاح والفشل وكل ما نمرّ به في حياتنا ليس له جواب إلا عند من هو الكلمة الذي صار بشرًا، المعلّم الوحيد يسوع المسيح وإلا كل شيء في حياتنا لغز إن لم نقرأه على ضوء يسوع المسيح.
هذه الأبعاد الأساسيّة لحدث التجلّي ووقوع التلاميذ على الأرض لم يكن خوفًا بل لعدم قدرتهم على مشاهدة وجه يسوع المشعّ كالشمس الذي لا يمكن لأحد النظر إلى وجهه المشعّ الذي هو وجه الشمس الحقيقي. لذلك، نحن أمام نور المسيح غير المنظور، ننحني ونخضع ونعيش ونغمض أعيننا كي يدخل نوره إلى أعماق قلوبنا.
نحن نلتمس اليوم من الربّ يسوع في يوم تجلّيه أن يشدّدنا بإيماننا ونلتمس منه أن يمنحنا النعمة كي نتجاوز كل صعوبات الحياة بقوّة الرجاء ولنكمل طريقنا لنجد عنده وحده الجواب على كل تساؤلات الحياة وصعوباتها ونعرف كيف نقرأ في ضوء الكلمة كل علامات الأزمنة.