بيروت, السبت 30 يوليو، 2022
كثيرون يأتون إلى هذا العالم ولا يصغون إلى صوت الحقيقة، لكن في المقابل، هناك من يستشهدون في سبيلها. من هنا، نتذكّر اليوم، مع كنيستنا المارونيّة، رهبان القديس مارون باكورة الشهداء، وهي تعتبرهم أجدادها وشفعاءها وصوت صلاتها في السماء.
كان هؤلاء الرهبان يعيشون في أديار سوريا الشماليّة قرب لبنان الشماليّ، وهم يعتنون برعاياهم ويقدّمون لهم كلّ المحبّة والدعم. رفضوا التخلّي عن معتقد الكنيسة الكاثوليكيّة وتعليم المجمع المسكونيّ الرابع الخلقيدوني المنعقد في العام 451، المعترف بوحدانيّة أقنوم المسيح في طبيعته الإلهيّة والإنسانيّة. لكن هذا الإيمان الراسخ الذي تركه القديس مارون بين أيديهم تعرّض للتجربة والاضطهاد من معارضيهم وظلمهم، فقام عليهم بطريرك أنطاكيا ساويرس، وقتل منهم ثلاثمئة وخمسين راهبًا، وغيرهم الكثير من الرهبان والأساقفة المؤمنين، في العام 517.
ويروى أنّ بعد هذا الاستشهاد الأليم، أرسل إخوانهم الرهبان الذين نجوا من هذا الظلم عريضة إلى البابا هرميدا (514-532)، وهي تضمّنت حقيقة ما جرى معهم، أيّ كشفوا له كيفيّة استشهاد هؤلاء الرهبان، وما ألحقه بهم من الأذى البطريرك ساويرس ورفيقه بطرس القصار وأتباعهما. وبعدها، أجابهم البابا برسالة مؤرّخة في العام 518، وهي توجز مدى حزنه الشديد، كما يعزّيهم ويشجّعهم على الصمود في وجه الاضطهاد. وقد أكد المؤرخون، ولا سيّما تاوفانوس وتاوفيلوس الرهاوي الماروني، تلك الحقيقة وهي اضطهاد ساويرا للكاثوليك وبشكل خاصّ الرهبان، وقتله عددًا كبيرًا منهم، مسلّطين الضوء على هؤلاء الرهبان الشهداء الثلاثمئة والخمسين.
ويحفر تذكار هؤلاء الرهبان الشهداء بصمة قويّة في ذاكرة الجماعة المؤمنة أيّ في الكنيسة المارونيّة في لبنان والشرق، لما حمل من أبعاد سامية في معنى الصمود والشجاعة والمقاومة والشهادة وبذل الذات في سبيل إيمان كلّ الإنسان لكي يبقى نور المسيح ساطعًا فوق كلّ شرّ وظلم.