وصل البابا فرنسيس إلى كيبيك بعدما انطلق من مطار إدمنتون متابعًا «حجّ التوبة» الذي يقوم به طلبًا للمغفرة من الشعوب الأصليّة الكنديّة والذي يمتدّ من 24 إلى 30 يوليو/تمّوز الحالي. في كيبيك، التقى السلطات السياسيّة والاجتماعيّة والديبلوماسيّة الكنديّة، وألقى كلمة أمام الحاضرين.
مع وصوله إلى كيبيك، انتقل البابا إلى «قلعة كيبيك»، مكان سكن الحاكمة العامّة للبلاد ماري ماي سيمون، حيث تمّت مراسم استقباله. هناك التقى سيمون ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو ومسؤولين من السلطات المدنيّة وممثّلين عن الشعوب الأصليّة والسلك الديبلوماسي.
ترحيب بالبابا وتأكيد على مسيرة المصالحة
ألقى رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو كلمة قال فيها إنّه لا يستطيع تخيّل انتزاع ابن من أهله، كما حصل أيّام المدارس الإجباريّة. وفسّر أنّ أحداث زيارة البابا هذا الأسبوع لم تكن لتصير لولا شجاعة الشعوب الأصليّة وبحثها عن إيصال صوتها للبابا. وشرح أنّ اعتذار البابا يوم الاثنين خلق ردّات فعل مختلفة في كلّ شخص بحسب حاجاته. وقال إنّ المصالحة مسؤوليّة الجميع.
ألقت بعدها الحاكمة العامّة كلمة رحّبت فيها بالبابا والشعوب الأصليّة وجميع الحاضرين. وذكّرت أنّ الحضور موجود على أرض الشعوب الأصليّة، وأنّ البابا ينضمّ بزيارته هذه إلى مسيرة المصالحة والشفاء والتجدّد. وفسّرت أنّ الناس المنتمين إلى الشعوب الأصليّة لديهم عائلات وهم مدافعون عن ثقافتهم وموسيقاهم ولغتهم، وأتوا لسماع البابا وبعضهم قَبِل الاعتذار والبعض الآخر لا يزال يتألّم. وذكّرت أنّ شجاعة الشعوب الأصليّة جعلت هذه الزيارة ممكنة اليوم وأنّ جهود هذه الشعوب تجعل كندا بلدًا أقوى. كما قالت إنّ تذكُّر ما حدث في المدارس الداخليّة والإجباريّة واجب جماعيّ. وزادت الحاكمة قائلة إنّها ترى أملًا كبيرًا في ما حصل حتّى الآن في رحلة البابا إلى البلاد، وكندا ستسعى للعمل مع الكرسي الرسولي في هذه المسألة وفي قضايا عالميّة أخرى.
شجرة القيقب ودعوة كندا الإيكولوجيّة
انطلاقًا من شجرة القيقب التي تشكّل ورقتها رمز كندا، بدأ البابا حديثه ليصل إلى الخليقة التي اعتبرها «كتابًا مفتوحًا يعلّم الإنسان أن يحبّ الخالق ويعيش في انسجام مع الكائنات الحيّة الأخرى». ورأى البابا أنّنا نحتاج إلى الإصغاء لبعضنا البعض والحوار كي نستطيع الخروج من الفرديّة السائدة والأحكام المتسرّعة وتفشّي العدوان والميل إلى تقسيم العالم بين صالحين وأشرار.
وجدّد الأب الأقدس تعبيره عن خجله وحزنه، هو وأساقفة كندا، لما فعله بعض أبناء الكنيسة في الماضي بالشعوب الأصليّة سائلًا المغفرة. طلب تعزيز الحقوق المشروعة للسكّان الأصليّين واتّخاذ الإجراءات للشفاء والمصالحة بين هؤلاء السكّان والشعوب غير الأصليّة في البلاد. وأكّد البابا أنّ «الكرسي الرسولي والكنيسة الكاثوليكيّة المحليّة يريدان تعزيز ثقافات الشعوب الأصليّة بصورة عمليّة، من خلال مسارات روحيّة محدّدة ومُناسبة تشمل الاهتمام بالتقاليد الثقافيّة والعادات واللغات والإجراءات التربويّة الخاصّة، بحسب روحيّة إعلان الأمم المتّحدة حول حقوق الشعوب الأصليّة».
وشرح البابا أنّ هناك اليوم استعمارًا إيديولوجيًّا أيضًا يتعارض مع الواقع الموجود ويخنق تمسّك الشعوب الطبيعيّ بقِدَمِها ويحاول اقتلاع تقاليدها وتاريخها وروابطها الدينيّة. وانتقد «ثقافة الإلغاء» التي تقيّم الماضي على أساس القوالب الفكريّة الحاضرة فقط والتي لا تسمح بالاختلاف وتتجاهل الضعفاء والمهمّشين.
وطلب الحبر الأعظم أن نتساءل حول كيفيّة إيقاف الحروب ومنع وقوع الشعوب رهينة قبضة الحرب الموسّعة والرهيبة. وقال إننا بحاجة أن «نعرف كيفيّة الخروج من مخطّطات الأطراف وإيجاد الجواب للتحدّيات العالميّة معًا». ودعا إلى تقدير رغبة الأجيال الصاعدة بالأخوّة والعدل والسّلام والإصغاء لكبار السنّ من أجل استعادة الذاكرة والحكمة واحترام التعددّية الثقافيّة وتخطّي خطاب الخوف تجاه اللاجئين، معتبرًا أنّ لكندا دعوة إيكولوجيّة.
ورأى البابا أن عدم ذهاب الثروة العامة الناجمة عن التنمية الاقتصاديّة إلى كل قطاعات المجتمع يخلق شكًّا وعثرة، مُسلّطًا الضوء على فقر الشرائح الاجتماعيّة المنتمية إلى الشعوب الأصليّة. وختم قائلًا: «إنّي أحمل كندا وأهلها في قلبي».
هديّة لحاكمة كندا
وفي كيبيك، أهدى البابا الحاكمة العامّة لكندا ماري ماي سيمون ميداليّة مسبوكة عليها أوراق من شجر القيقب، رمز كندا التي تبدو على علم البلاد. كما تظهر على الميداليّة القدّيسة حنّة من بوبري التي يشكّل مزارها أحد أكبر المزارات في أميركا الشماليّة.