1.ما كانت البطريركيّةُ المارونيّةُ، بطريركيّةُ أنطاكية وسائرِ المشرِق، تَظنُّ أنّها يُمكنُ أن تصل إلى زمنٍ في جمهوريّة لبنان الكبير يَتِمُّ التعرّض فيه لأسقفٍ من دون وجه حقّ وخلافًا للأصول والأعراف ومن دون أيّ اعتبار لشخصه ومقامه ودوره ورسالته، ومن دون العودة إلى مرجعيّته الكنسيّة العليا التي كان لها ولا يزال الدور الرائد والطليعيّ في تأسيس هذه الجمهوريّة واستمرارها، وقد أرادتها دولةً ديمقراطيّةً تُجِلُّ الحريّات وتقدّر الخصوصيّات ويحكمها مسؤولون يلتزمون الدستور ويحمون الشرعيّة، ويحفظون العدل، ويترفّعون عن الحزبيّات والمصالح العائليّة، ويحتضنون الشعب من دون تفرقة.
2.أوّل من أمس، اعترضت عناصر مركز الأمن العامّ الحدوديّ بقرار من مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة، القاضي فادي عقيقي، المطران موسى الحاج، وهو قادم كعادته من أبرشيّته في الأراضي المقدّسة، واحتجزته لأكثر من اثنتي عشرة ساعة، ومن دون أيّ اعتبار لمقامه الروحيّ، وحقّقوا معه من دون مبرّرٍ في مركزٍ أمنيٍّ، وصادروا منه جواز سفره اللبنانيّ وهاتفه وأوراقه والمساعدات الطبيّة والماليّة التي كان يحملها إلى المحتاجين والمرضى في لبنان من كلّ الطوائف ومن محسنين لبنانيّين وفلسطينيّين، لأنّ دولتهم لم تُحسن في السنوات الأخيرة إدارة البلاد لتؤمّن لشعبها حاجاته الأساسيّة. أمّا وقد حصل كلُّ ذلك، فلا بدّ من مواجهة هذا التطاول وتصحيحه بمحاسبة كلّ مسؤولٍ عمّا جرى مهما كان منصبه، وحتى إقالته.
3.إنّ ما تعرّض له أخونا المطران موسى الحاج أعادنا إلى أزمنة الاحتلال والولاة في القرون السابقة حين كان الغزاة والمحتلّون يحاولون النيل من دور الكنيسة المارونيّة في لبنان والشرق، هي التي زرعت في هذه الأرجاء روح الحريّة والصمود، ومفهوم الدفاعِ عن حقوق الإنسان وحريّة المعتقدات والتآخي بين الأديان. إنّ الذين أوْحَوا من قعر مناصبهم بالتعرّض للمطران الحاجّ وخطّطوا وأمروا ونفّذوا عملهم المدان، غاب عنهم أن ما قاموا به وما يقومون به، لم ولن يؤثّر على الصرح البطريركيّ الذي صمد في وجه ممالك وسلطنات ودول، فزالوا هم وبقيت البطريركيّة في خدمة الإنسان ولبنان والشرق وتعايش الأديان بقوّة الله وأمانة شعبها.
4.إنّ المطران موسى الحاجّ، كسائر المطارنة الذين سبقوه على رأس الأبرشيّة، يلتزم توجيهات البطريركيّة المارونيّة ورسالة حاضرة الفاتيكان، يحرص دائمًا على القيام بدوره بشجاعة وحكمة وروح إنسانيّة في خدمة الحقّ والمعوز والمريض وخصوصًا في أزمنة الضيق والبلايا كالتي نعاني منها اليوم في لبنان.
5.إنّ قلب أخينا المطران الحاجّ من لحمٍ ودمٍ لا من حجر كقلوب الذين لا يُولون اهتمامًا لمآسي الشعب. ولو نأى الحاج بنفسه عن القيام بهذا الدور لكان وُجبَ لومُه وليس لأنّه قام به وخفّف من عذابات اللبنانيّين. وفي هذا الإطار، فإنّ المجمع الدائم ليس في موقع تبرير ما قام به المطران بل إنّه يؤكّد أحقيّة ما يقوم به ويسانده في مهمّته الرعويّة.
6.إننا نرفض ونشجب ونستنكر بأشدّ العبارات ما اقتُرف عن سابق تصوّرٍ وتصميم، وفي توقيتٍ ملفت ومشبوه، ولغاياتٍ كيديّة معروفة، بحقّ أخينا المطران موسى الحاج. ونطالب بوقف هذه المسرحيّة الأمنيّة والقضائيّة والسياسيّة، وإعادة كل المساعدات التي احتُجزت إلى المطران الحاج لتصل الأمانات إلى أصحابها الذين ينتظرونها، وإغلاق هذه القضيّة فورًا.