بيروت, الثلاثاء 19 يوليو، 2022
بدأت رسالة النبيّ إيليّا النبويّة على عهد الملك آحاب الذي تخلّى عن عبادة الله الحيّ، بسبب تحريض زوجته الملكة إيزابيل الوثنيّة التي وضعت في قلبها إزالة كل أثر لعبادة الله، وإقامة عبادة البعل بالقوّة الجبريّة. أرسل الله عندها النبيّ إيليّا ليشهد له ويعمل لخلاص إخوته. ولم يكن هناك نبيّ جريء وناري مثل إيليّا، فوقف في وجههما بدافع غيرته الشديدة للربّ إله الصبؤوت. لذا، تنبّأ بأنّ الله سيمنع المطر عن بني إسرائيل، واعتزل النبيّ إلى نهر كريث وكانت الغربان تساعده وتأتي إليه بالطعام. وبعدما جفّ النهر، ذهب إلى صرفة وأقام في بيت امرأة أرملة، ولم يفرغ من بيتها الدقيق والزيت طوال مدّة الجفاف وفقًا لوعد النبيّ إيليّا لها. ولمّا مات ابنها، صلّى إيليّا حتّى أعاد الله الحياة إليه (مل 1: 17/ 1-22).
وفي السنة الثالثة أيّ عند اقتراب نهاية مرحلة الجفاف، واجه إيليّا الملك آحاب مؤنّبًا إيّاه على عدم أمانته لإله إسرائيل، كما واجه الشعب أيضًا طالبًا منه الرجوع إلى عبادة الإله الحيّ، إله آبائه، وليس الآلهة الوثنيّة. في هذا الجانب، تحدّى الملك وكهنة البعل الـ450 بأن يأتوا بثورَيْن على جبل الكرمل؛ واحد يُقدّمه كهنة البعل إلى المحرقة من دون إشعال النار، والآخر يقدّمه إيليّا إلى المحرقة من دون إشعال النار أيضًا. بدأ كهنة البعل يصلّون من أجل استنزال النار على ذبيحتهم، وأطالوا في الصلاة من دون جدوى. ولمّا جاء دور النبيّ إيليّا في الصلاة، صلّى بحرارة عميقة إلى الربّ الإله. عندئذٍ، نزلت النار من السماء، ملتهمةً الذبيحة وحجارة المحرقة. دُهش الشعب الحاضر، وبدأ يصرخ «الربّ هو الله، الربّ هو الله». أنزل إيليّا العقاب بكهنة البعل (مل 1: 18/ 17-40). بعد ذلك، هطلت الأمطار بغزارة وأخرجت الأرض الثمار. إثر هذا الحدث، راحت الملكة إيزابيل الشرّيرة تطلب نفس النبيّ إيليّا، فخاف وهرب إلى بئر سبع. شعر باليأس حتّى إنّه تمنّى أن يموت في البرّية في أرض مقدّسة ولا يموت في أرض تدنّست بعبادة البعل، لكن الله لم يتركه أبدًا وسط صراعه الأليم، بل أرسل له ملاكًا يحرسه ويقدّم له الطعام، ومن ثمّ ظهر له في المغارة وأعاد إليه ثقته العميقة به (مل 1: 19/ 9-18).
أمّا في رواية صعوده حيًّا إلى السماء، فهي ليست غير صورة لاستمرار روح الغيرة والجرأة اللتين ميّزتا شخصيّته ورسالته النبويّة؛ هذه الروح الملتهبة التي ورثها أيضًا تلميذه أليشع، كما ظهرت في ما بعد مع النبيّ يوحنا المعمدان. إن غيرته وجرأته هما مستمرّتان عبر الزمن حتّى الساعة.
من هنا، نسألك يا ربّ أن تهبنا غيرة مار الياس الحيّ وشجاعته كي نصرخ معه الحقّ في كلّ حين، ونرفض الخضوع لأشكال آلهة الأوثان المتفشّية في الكثير من مظاهر حياتنا اليوميّة. وإن تزعزعت ثقتنا الإيمانيّة بك يا ربّ، لا تتركنا كما فعلت مع النبيّ إيليّا بل عزّز قوّتنا واجعلنا نعمل مشيئتك ونشهد لمجدك الإلهيّ ونتذكّر أنّك معنا في كلّ حين حتّى انقضاء الدهر.