بيروت, الأحد 17 يوليو، 2022
شعّت حياة القديسة مارينا بنورانيّة المسيح، هي التي أحبّته بطريقة تعجز فيها حروف الأبجديّة عن وصف هذا الحبّ أو تصديقه. وُلدت في القلمون، شمال لبنان. كان والدها تقيًّا، وماتت أمّها وهي صغيرة. عندئذٍ، زهد أبوها في الدنيا، وجاء إلى دير قنوبين في الوادي المقدّس مع ابنته التي ألبسها زيّ الرجال وترهّبت من دون أن يكشف الرهبان سرّها. وعُرفت عندهم باسم الأخ مارينوس. وبينما كانت في الدير، ضاعفت صلواتها وأصوامها وزادت في نسكها، ولم يعرف أحد أنّها امرأة، بل كان الرهبان يظنّون أنّ رقّة صوتها عائدة إلى شدّة نسكها وخشوعها وصلواتها وقلّة كلامها.
ويُروى أنّ رئيس الدير أرسل الأخ مارينوس ذات يوم إلى البلدة المجاورة في مهمّة متعلّقة بأمور الدير، فاضطر إلى المبيت عند أحد أصدقاء الرهبان، وهو بفنوتيوس وله ابنة صبيّة كانت قد وقعت في زنى وبان عليها حبلها بعد حين. غضب أبوها كثيرًا بسبب هذا العار، وسألها عن الفاعل. أخبرته بأنّ الأخ مارينوس اغتصبها ليلة نام عندهم. ذهب أبوها إلى الدير، وراح يلعن الرهبان. دُهش الرئيس عند سماعه هذا الخبر بسبب ما يعلمه عن راهبه من سمات الطهر. قام عندئذٍ واستدعى مارينوس ووبّخه، فلم يدافع عن نفسه، بل ظلّ صامتًا. وقع الرئيس في حيرة من أمره، واعتبر السكوت إقرارًا بالذنب وحكم عليه بالطرد خارج الدير. رضخ مارينوس مستسلمًا لمشيئة الله واستمرّ على باب الدير مصلّيًا باكيًا يعيش من فضلات مائدة الرهبان. أما الصبيّة فقد ولدت صبيًّا، وجاء والدها به إلى القديسة وطرحه أمامها وانصرف. أخذته مارينا، وصارت تتنقّل بين الرعاة وتسقيه لبنًا. مرّت ثلاث سنوات وهي خارج الدير على هذه الحالة، حاملة عار تلك التهمة، لم تيأس أبدًا، بل زادت في صومها وصلاتها. ومع مرور الوقت، تحنّن عليها الرهبان وطلبوا من رئيسهم أن يسمح لها بالدخول إلى الدير، فقبل طلبهم، بعدما فرض عليها قوانين قاسية.
ظلّ الأخ مارينوس مثابرًا على الصلاة والصوم وأعمال التقشف حتّى دنت ساعة موته، كما طلب المغفرة من الجميع. ومن ثمّ غفر لمن أساء إليه. وبعدها، أسلم الروح، وضياء المسيح يعانق وجهه. أمر عندها الرئيس بتجهيز جثمانه ودفنه خارج الدير. وكانت دهشة الرهبان عظيمة حين رأوا أنّ مارينوس امرأة لا رجل! فجثا الرئيس مع رهبانه أمام ذلك الجثمان الطاهر، مستغفرين الله وروح القديسة النقيّة. أمّا والد الابنة الخاطئة، فأحسّ بالخجل وجاء يعترف بخطيئته امام الجميع. وراحت ابنته وأقامت على قبر القديسة، وهي تذرف الدموع ندامة على ما فعلته من رذيلة.
أمام فضائل هذه القديسة الطاهرة، ننحني بخشوع، ونسأل الله أن نتعلّم منها كيف نتألم بصبر وفرح، ونصلّي بحرارة القلب، وندرك عن يقين أنّ درب جلجلة الآلام مهما طال سيسطع نور القيامة وسيعانق أرواحنا المشتاقة لبلوغ الحياة الأبديّة.