بيروت, الأحد 12 يونيو، 2022
عُرِفَ القديس "أنطونيوس البدواني" بمعلّم الحكمة السماويّة وكنّارة الروح القدس، فهو صاحب الإيمان القويّ والمبشّر الأمين بالكتاب المقدّس، وهو من أضاء ضلال الهراطقة بنورانيّة تعاليمه، ومَنْ أطاعت لصوته الصارخ الأسماك والخلائق، ومَنْ نجت بصلاته المدن والبلدان، ومَنْ صرخت له الشّعوب في لحظات ضيقها، فخلّصها من معاناتها.
لا شكّ أنّ التّربية المسيحيّة الصالحة التي ترعرع عليها القديس "أنطونيوس" توّجت حياته بكلّ هذه الفضائل المباركة. لعبت والدته "ماريا تريزا" دورًا فعّالًا في سنوات حياته الأولى في سبيل ارتقائه سلّم الأخلاق والتّقوى. علّمته كيفيّة الصّلاة وأهميّة التّحلّي بمحاسن الفضيلة والسير على نهجها. كما راحت تبيّن له ما تنهي عنه العقيدة المسيحيّة الكاثوليكيّة. ومن ثمّ، أظهرت له المخاطر التي يجب عليه تجاوزها. كلّ هذه التّعاليم التي غرستها أمّه في تربة نفسه التّقيّة باتت كبذور ثمينة وقعت في أرض طيّبة، وسقيت بزخّات مطر النّعم السّماويّة، فأعطت ثمارًا غزيرة.
أحبّ الفقراء وفعل الصلاح، ودعا الأغنياء إلى مساعدة الفقراء، مؤكّدًا لهم أنّ الغنى الحقيقيّ ينبع من القلوب، ولكن كانت الطّهارة الفضيلة الأحبّ إلى قلبه منذ نعومة أظفاره. كما بادر إلى نذر عفّته على الدوام حبًّا بمثال الطهارة سيّدتنا "مريم" العذراء. ومن ثمّ، هجر العالم وأباطيله في سنّ مبكرة ليتّشح برداء الرهبنة، باحثًا عن السبيل الّذي سيقود به إلى الكمال المسيحيّ أي إلى الفردوس الحقيقيّ.
وفي التّأمّل أكثر في وجه هذا القديس النورانيّ، نقرأ الكثير ونبقى في حالة من العطش إلى معرفة المزيد. هو من وضع أسس اللاهوت الفرنسيسكاني الّذي نمَّته شخصيّات مفكّرين مميّزين، ووصل إلى ذروته مع القديس "بونافينتورا" من بانيوريجو والطوباوي "دونس سكوت". وتعتبر خطب القديس "أنطونيوس" نصوصًا لاهوتيّة ووعظيّة، وهو يقترح من خلالها مسارًا حقيقيًّا للحياة المسيحيّة، وهي تعكس في فحواها وجه المسيح، ويمكننا اليوم الاستفادة منها على مستوى الغذاء الرّوحيّ. كما أنّه أراد، من خلال هذه الخطب، أن ينقلنا إلى مفهوم الصّلاة الحقيقيّة، وهي تجسّد علاقة حبّ بين الإنسان المصلّي واللّه. وبعدها، نكتشف في تعليم القديس "أنطونيوس" حول الصلاة إحدى ميزات اللاّهوت الفرنسيسكاني، وهي تصبّ في الدور المُخصّص للمحبّة الإلهيّة، وهي المصدر الّذي تنبع منه المعرفة الروحيّة، مُتخطِّيةً كلّ معرفة.