فكم هو جميل ومعبّر تزامن هذا العيد مع قدّاس الشكر لله على عطيّة الطوباويّين الشهيدين الأب ليونار عويس ملكي والأب توما صالح، ابنيّ بعبدات العزيزة، ورهبنة الإخوة الأصاغر الكبوشيّين الجليلة! الطوباويّان هما هبة نفيسة لكنيسة لبنان التي تنضمّ إلى هبة أخيهما الطوباويّ أبونا يعقوب حدّاد الغزيريّ الكبّوشي، مؤسّس دير الصليب وراهبات الصليب الفرنسيسكانيّات، فضلًا عن القدّيسين شربل ونعمة الله ورفقا، والطوباوي الأخ إسطفان، أبناء الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة الجليلة.
ذبيحة الشكر هي في آن ذبيحة تكريم روحيّ وليتورجيّ للطوباويّين الجديدين اللذين رفعهما أمس إلى مرتبة الطوبايّين باسم البابا فرنسيس الكاردينال مارتشيلو سيميرارو رئيس مجمع دعاوى القدّيسين، لأنّ المسيح الإله "أشركهما في مجده، مثلما أشركهما في آلامه" (راجع روما 8/ 17). إنّنا نهنّئ رهبنة الإخوة الأصاغر الكبوشيّين، بشخص رئيسها العام الحاضر بيننا، الأب روبرتو جنوين، ورئيس إقليمها الشرق أوسطيّ عزيزنا الأب عبد الله النفيلي. كما نهنّئ بلدة بعبدات بالطوباويّين من أبنائها. نصلّي ملتمسين شفاعتهما من أجل نموّ وازدهار هذه الرهبانيّة، وسواها من الرهبانيّات، الرجاليّة والنسائيّة، بدعوات مقدّسة. ونستشفعهما من أجل كامل صحّة البابا فرنسيس.
2.بتطويب راهبين لبنانيّين، يخاطب الله مرّة أخرى اللبنانيّين، مسؤولين وسياسيّين وشعبًا، في الظرف العصيب الذي نعيشه من كلّ جانب، ويدعونا لننفتح لعمل الروح القدس: نفتح له عقولنا لنقبل الحقيقة التي يعلّمنا ويقودنا إليها؛ نفتح له قلوبنا ليملأها من المحبّة، لقد آن الأوان لنصغي لما يقول لنا الله. فلنضع جانبًا أصوات مصالحنا الشخصيّة والفئويّة والحزبيّة والطائفيّة، لكي نتمكّن من سماع ما يقول لنا الروح. عندما نخرج كلّنا من ذواتنا، يجمعنا الروح من جديد واحدًا، بشريعة المحبّة والحقيقة والحرّيّة والعدالة والسلام، في وطن نستطيع عندها أن نعتبره حقًّا "وطنًا نهائيًّا لكلّ أبنائه"(مقدّمة الدستور، أ).
3.إنّ العناصر الثلاثة التي ظهرت في حدث العنصرة تدلّ إلى عمل الروح القدس في داخل الإنسان: الريح العاصف يدلّ إلى الروح القدس الذي يهزّ كيان الإنسان الداخليّ ويجتذبه إلى الله؛ الألسنة من نار هي كلام الله الذي يعلّمنا إيّاه الروح، ويحرق فينا كلّ كذب وضلال ونفاق؛ اللغات التي فهمتها الشعوب المتنوّعة ترمز إلى لغة الروح القدس التي يفهمها الجميع، من كلّ لون وعرق، وهي لغة المحبّة.
4.بقوّة الروح القدس، روح الحقيقة والمحبّة التي تلقيّاها، لبّى الطوباويّان ليونار (بالمعموديّة يوسف) وتوما (بالمعموديّة جرجس) الدعوة لإتّباع المسيح على طريق المحبّة الكاملة في رحاب رهبنة الإخوة الأصاغر الكبّوشيّين الأحبّاء. أرسلتهما السلطة مع غيرهما إلى إكليريكيّتيها الصغرى والكبرى في تركيا. وبعد اثنتي عشرة سنة من التنشئة، نالا سرّ الكهنوت معًا في 4 كانون الأوّل 1904. وحصل كلّ واحد منهما على شهادة "مرسل رسوليّ" في 5 أيّار 1906. وانطلقا للعمل الرساليّ في إرساليّة أرمينيا وبلاد ما بين النهرين للآباء الكبّوشيّين المنتشرة في سبع مدن تركيّة. فمارسا رسالتهما المتوزّعة في الأديار والمدارس بين الرئاسة وتعليم الشبيبة وإرشاد رهبنة مار فرنسيس للعلمانيّين والراهبات الفرنسيسكانيّات، مع الاحتفال بالأسرار المقدّسة وبخاصّة سرّ التوبة. وبذلك أدّيا شهادتهما للمسيح الذي مات فداءً عن خطايا البشر وقام لبثّ الحياة الجديدة في النفوس.
5.كلّل الأبوان الشابان رسالتهما بشهادة الدمّ دفاعًا عن الإيمان المسيحي بوجه مبغضي المسيحيّة، ديانة المحبّة والأخوّة. فطُعن الأب ليونار بعد تعذبيه بخنجر في قلبه في 11 حزيران 1915. واستشهد الأب توما في 18 كانون الثاني 1917، بعد تعذيبه في السجن وإصابته بالتيفوس في كلّ جسمه. صمدا بقوّة الروح القدس في الإيمان ولم يتزعزعا، فكانا زرعًا يانعًا للمسيحيّة في لبنان وهذا الشرق.