ومنها عبروا النيل إلى وادى النطرون: انطلقت العائلة في رحلتها إلى وادي النطرون، وعبرت النيل، عبر فرع رشيد، وقد بارك المسيح والعذراء هذا المكان، واصبح فيما بعد ملجأ لكثير من الرهبان ومن أكثر الأماكن التي بُني بها أديره.
ثم عادوا وعبروا مرة أُخرى النيل متجهين إلى الجنوب وصولا إلى المطرية وعين شمس، وفى هذا الزمان كانت عين شمس يسكنها عدد كبير من اليهود وكان لهم معبد يسمى بمعبد أونياس. وفى المطرية استظلت العائلة المقدسة تحت شجرة تعرف إلى اليوم "بشجرة مريم". وانبع الطفل يسوع عين ماء وشرب منه وباركه ثم غسلت فيه السيدة العذراء ملابس الطفل وصبت الماء على الارض فنبت في تلك البقعة نبات عطري ذو رائحة جميلة هو المعروف بنبات البلسم او البلسان يضيفونه إلى أنواع العطور والطيوب التي يصنع منها الميرون المقدس. ومن منطقة المطرية وعين شمس سارت العائلة المقدسة متجهة ناحية مصر القديمة مرورًا في طريقها على الزيتون وبعض المناطق الكائن بها حاليًا كنيسة السيدة العذراء الأثرية بحارة زويلة وكذلك كنيسة العزباوية بكلوت بك.
وصلت العائلة المقدسة إلى مصر القديمة: يوجد بها العديد من الأماكن التي زارتها العائلة المقدسة وتحولت فيما بعد إلى كنائس، وقد تباركت هذه المنطقة بوجودهم ولم تستطع العائلة المقدسة البقاء فيها الا ايامًا قليلة نظرًا لتحطم الاوثان فأثار ذلك سخط والي الفسطاط فأراد قتل الطفل يسوع. وكنيسه القديس سرجيوس (أبو سرجه) بها الكهف (المغارة) التي لجأت اليه العائلة المقدسة وتعتبر من أهم معالم العائلة المقدسة بمصر القديمة.
وانتهت المرحلة الاولى من رحلتهم في المعادي (منف) قبل وصولهم للصعيد: وصلت إلى منطقة المعادي للسفر إلى الصعيد عبر النيل، وسميت المعادي، لأن العائلة المقدسة "عدت" –أي عبرت- منها، ومازال السلم الذي نزلت عليه العائلة المقدسة إلى النيل موجودًا، ومن الأحداث العجيبة التي حدثت عند هذه الكنيسة أنه في يوم الجمعة الموافق ١٢ مارس ١٩٧٦ م وجد الكتاب المقدس مفتوحًا على سفر أشعياء النبي الاصحاح (١٩: ٢٥) مبارك شعبي مصر طافيًا على سطح الماء في المنطقة المواجهة للكنيسة من مياه النيل.
وأول المحطات التي وصلوا لها في الصعيد كان دير الجرنوس (مغاغة): وفيها بئر شربت منه العائلة المقدسة، وما زال حتى الآن.
ثم البهنسا: وفيها مرت العائلة المقدسة على بقعة تسمي اباي ايسوس (بيت يسوع) شرقى البهسنا ومكانه الآن قرية صندفا - بني مزار، وقرية البهنسا الحالية تقع على مسافة 17 كم غرب بني مزار التابعة لمحافظة المنيا.
ثم اتجهوا إلى سمالوط (جبل الطير): تابعة لمحافظة المنيا حاليًا، واستقرت العائلة المقدسة في المغارة الأثرية الموجودة في الكنيسة بجبل الطير، ويعرف بجبل الطير لأن الوفًا من طير البوقيرس تجتمع فيه. ويسمى أيضًا بجبل الكف حيث يذكر التقليد القبطي أن العائلة المقدسة وهي بجوار الجبل - كادت صخرة كبيرة من الجبل أن تسقط عليهم فمد الرب يسوع يده ومنع الصخرة من السقوط فامتنعت وانطبعت كفه على الصخر، وفى الطريق مرت على شجرة لبخ عالية (شجرة غار) على مسافة ٢ كم جنوب جبل الطير، ويقال إن هذه الشجرة سجدت للسيد المسيح له المجد وتجد أن جميع فروعها هابطة باتجاه الأرض ثم صاعدة ثانيه بالأوراق الخضراء ويطلق عليها شجرة العابد.
وختم العائلة المقدسة رحلتها في المرحلة الثانية بمدينة المنيا بقرية الأشمونين: وصلتها العائلة المقدسة بعد عبورها إلى الناحية الغربية، وحدثت في هذه البلدة كثير من العجائب وسقطت أوثانها وباركت العائلة المقدسة الأشمونيين.
ومن ديروط (تابعة لمحافظة أسيوط). بدأت المرحلة الثالثة والاخيرة من الرحلة
توجهوا بعدها إلى مدينة قسقام (القوصية) تابعة لمحافظة أسيوط: وبها الدير المحرق، وطردهم أهلها منها.
فاتجهوا ناحية مير "غرب القوصية": حيث هربت العائلة من أهالي قرية "قسقام"، وقد أكرمهم أهلها، وباركهم المسيح.
(تستمر القصة أدناه)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
ثم مكسوا لفترة بدير المحرق: بعد أن ارتحلت العائلة المقدسة من قرية مير اتجهت إلى جبل قسقام وهو يبعد 12 كم غرب القوصية. ويعتبر الدير المحرق من أهم المحطات التي استقرت بها العائلة المقدسة ويشتهر هذا الدير باسم "دير العذراء مريم"، تعتبر الفترة التي قضتها العائلة في هذا المكان من أطول الفترات ومقدارها "6 شهور و10 أيام" وتعتبر المغارة التي سكنتها العائلة هي أول كنيسة في مصر بل في العالم كله.
وقد اختتموا المرحلة الثالثة بالذهاب إلى جبل درنكة: بعد أن ارتحلت العائلة المقدسة من جبل قسقام اتجهت جنوباً إلى أن وصلت إلى جبل أسيوط حيث يوجد دير درنكة وتوجد مغارة قديمة منحوتة في الجبل أقامت بداخلها العائلة المقدسة ويعتبر دير درنكة هو آخر المحطات التي قد التجأت إليها العائلة المقدسة في رحلتها في مصر، وجاء الأمر ليوسف النجار في حلم بضرورة عودته إلى اليهودية مرة أخرى بعد أن مات هيرودس الذي كان يريد قتل الصبي.
وبدأت رحلة العودة من أرض مصر: انطلقت العائلة في رحلتها عائدة من الصعيد حتى وصلت إلى مصر القديمة ثم المطرية ثم المحمة ومنها إلى سيناء فاليهودية حيث يسكن القديس يوسف والعائلة المقدسة في قرية الناصرة بالجليل.
وهكذا انتهت رحلة المعاناة التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات ذهابًا وايابًا قطعوا فيها مسافة أكثر من ألفى كيلو متر ووسيلة مواصلاتهم الوحيدة ركوبة ضعيفة إلى جوار السفن أحيانا في النيل وبذلك قطعوا معظم الطريق مشيًا على الأقدام محتملين تعب المشي وحر الصيف وبرد الشتاء والجوع والعطش والمطاردة في كل مكان فكانت رحلة شاقة بكل معنى الكلمة تحملها السيد المسيح وهو طفل مع أمه العذراء والقديس يوسف بفرح لأجلنا.
تحمل رحلة العائلة المقدسة لمصر الكثير من المعاني والقيم التي يجب أن يتحلى بها الجميع، أهمها أن مصر بلد للسلام والاطمئنان، وأن رحلة المسيح فيها ملأت أرضها بالبركة؛ فمصر هي أرض التعايش والضيافة، أرض اللقاء والتاريخ والحضارة والسلام، وهي الأرض المباركة عبر العصور بدم الأبرار والشهداء الثمين؛ فهي التي عاش بها القديس يوسف، والعذراء مريم والطفل يسوع والكثير من الأنبياء.
ويُقال أيضًا إن الأوثان ارتجفت آنذاك في عهد الرومان من هيبة يسوع، وتزلزلت الأرض تحت أقدامها ومالت بثقلها الحجري فتحطمت وتكسرت أمام رجلي الصبي القادم على مصر. وقد روي المؤرخون هذه الحادثة أيام حكم الرومان فقالوا: "إن الأصنام كانت تتكسر لدي ظهوره أمامها والبراري فرغت من شياطينها، وارتعب كهنة الأصنام خوفًا.