ولادته ونشأته:
ولد في صعيد مصر حوالي بين عامي (295 - 296م)، من أبوين مسيحيَين فقيرين وكان والده كاهناً، وقد علّم ابنه روح التقوى والاتضاع والغيرة على الإيمان، لما كانت شهرة القديس أنطونيوس كوكب البرية قد ملأت الآفاق، ذهب إليه وأقام عنده وأعجب بما شاهده فيه وفي رهبانه النساك من قداسة وكمال، وقد تتلمذ على يده، والتحق بمدرسة الإسكندرية اللاهوتية، وكان أثناسيوس بجانب الدراسات اللاهوتية برع أيضًا في دراسة الفلسفة والبلاغة والشعر والقانون.
فلفت انتباه البطريرك المصري "الكسندروس الإسكندري" لحدة ذكائه وسعة إمكاناته فاهتم الاسقف بمتابعة دروسه وفي هذه الفترة أنهى تأليف كتابين وهما: “ضد الوثنيين”، و” تجسد الكلمة” وهو لم يتجاوز الثالثة والعشرين من عمره بعدها رسمه شماساً عام 319م. ثم رئيساً للشمامسة وجعل منه مساعدًا شخصيًا له، حتى رافقه إلى مجمع نيقية عام 325م،
وقد دُعي القديس أثناسيوس إلى مجمع نيقية المنعقد عام 325م، بدعوة من الملك قسطنطين الكبير، لتحديد موقف الكنيسة الجامعة من بعض الهرطقات. والأفكار الجديدة التي دخلت إلى المسيحية، ومن أهمها تعليم آريوس حول الابن الكلمة يسوع المسيح. وقد مثَّل أثناسيوس في هذا الاجتماع أسقف الإسكندرية ألكسندروس وكان وقتئذٍ رئيس شمامسة. كان الأبرز في الرَّد على آراء آريوس والتصدي لحججه. حيث بيَّن أن كلمة الله مولود ولكنه غير مخلوق لأنه نابع من جوهر الآب لا من مشيئته. هو منهُ كشعاع من الشمس. ليس فقط أن كل ما للابن هو للآب بل كل ما للآب هو للابن أيضا. كل ملء اللاهوت في الابن كما في الآب. الواحد لا ينفصل عن الآخر. من رأى الابن فقد رأى الآب. ليس الآب من دون الابن ولا الابن من دون الآب. كما الضوء والشعاع واحد، الآب والابن واحد لذلك لم يكن هناك وقت لم يكن فيه الابن موجودا. وإذا كان الآب والابن واحداً فالآب مميز عن الابن والابن مميز عن الآب. هكذا وبهذه التعابير استطاع أثناسيوس أن يدحض ادعاء آريوس بأنه لأنَّ الابن مولود، هذا يعني إنه مخلوق من نتاج مشيئة الآب السماوي.
الموضوع بالنسبة للقديس أثناسيوس كان موضوع الخلاص برمَّتِهِ. قول آريوس يتعدى كونه مجرَّد رأي لأن قبوله معناه ضرب المسيحية في الصميم. فلا مجال للمساكنة والمهادنة. أثناسيوس وعى دقَّة المسألة وخطورتها حتّى العظم، فأتت حياتُهُ، في كلِّ ما عانى على مدى ست وأربعين سنة، تعبيراً عن تمسُّك لا يلين بكلمة حق الإنجيل والإيمان القويم.
وفي هذا المجمع تصدّى أثناسيوس لآريوس وفنَّد مزاعمه مثبتاً ألوهية السيد المسيح الكلمة الأزلي، فأضمر له الآريوسيون الحقد والضغينة وأخذوا يتحينون الفرص للإيقاع به. رسمه البطريرك كاهناً وعهد إليه بالوعظ والإرشاد، وبعد وفاة البطريرك انتخبه الأساقفة بطريركاً عليهم، فقام يرعى كنيسته بكل غيرة ويحث الجميع على المحبة والسلام.