أمّا عن دور الدولة. الدولة منهمكة بانتظار قاتل لتعويم المصارف وليست مهتمّة بما يحدث. لكن المؤسف دور الأحزاب السياسيّة واستغلالها الفقر لاستقطاب ناخبين إلى صفوفها، كما حصل في العمليّة الانتخابيّة الأخيرة، عبر توزيع المازوت وحتّى إعطاء بدل ربطة خبز. أمّا الأخطر من ذلك هي الجماعات الدينيّة المستجدّة على لبنان التي تستغلّ بعض الشرائح وتتغلغل بمجتمعنا اللبناني. فاللبنانيّ اليوم لم تعد لديه مشكلة ببيع دينه ومعتقداته الدينيّة مقابل «فريش دولار».
السؤال الثالث: ما الحلول للخروج أو لبدء الخروج من الأزمة؟ أهي خطّة التعافي الحكوميّة أم ديون خارجيّة جديدة أم بيع الذهب الموجود بحوزة مصرف لبنان مثلًا أم حلول أخرى كتأميم أملاك خاصّة أو بيع أملاك الدولة؟
ما من حلّ وما من بديل واقعي يحاكي معطيات الوضع الحالي. المشكلة في لبنان هي في سوء الإدارة. لبنان يملك كلّ ما يلزم من موارد طبيعيّة نفطيّة وبشريّة لكنّ المشكلة هي في سوء استخدام تلك الموارد وسوء تخصيصها من قبل الإدارات المتعاقبة منذ عام 1943. المشكلة ليس لبنان، المشكلة تكمن في إدارة لبنان. فلو حكمت هذه الإدارات المتعاقبة أغنى دول العالم لأفلستها خلال عامين. لبناء إدارة عامّة جيّدة واقتصاد جيّد يحتاج لبنان فقط إلى حكم قويّ وغير فاسد ونظيف.
يمكن عندها للحلول أن تبدأ عبر الاستثمار في القطاعات الإنتاجيّة بشكلٍ سليم، يمكن أن يمثّل بديل عن سياسات التقشّف. إذ إنّ نجاح الاستثمارات الإنتاجيّة يؤدّي إلى خفض العجز في الحسابات الخارجيّة عبر تصدير الإنتاج المحلّي وتقليص الاستيراد بسبب توفّر السّلع محليًّا مما بحدّ من العجز في الميزان التجاريّ وبالتالي في ميزان المدفوعات. والحركة الاقتصاديّة الناتجة عن الاستثمارات الإنتاجيّة تؤدّي إلى زيادة إيرادات الدولة وخفض العجز في الموازنات إذا تؤدّي إلى موارد أكبر للدولة عبر ضرائب تُجنى من عدد أكبر من الشركات. إضافةً إلى ذلك، إنّ الاعتماد على الموارد البشريّة والطبيعيّة الذاتيّة للبلد والتركيز على رؤية اقتصاديّة واضحة يخلق نوعًا من الاستقلاليّة الاقتصاديّة.
السؤال الرابع: ما هو الاتّفاق الذي عقدته الحكومة اللبنانيّة مع صندوق النقد الدولي؟ وهل ستلتزم حكومات ما بعد الانتخابات برأيكِ به؟
(تستمر القصة أدناه)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
مسوّدة الاتّفاق مع صندوق النقد الدولي، لا تبشّر بالخير. إذ ليس فيها ما يشير إلى ما ستقوم به الحكومة من أجل تعزيز النموّ وأيّ قطاعات ستكون مستهدفة.
الهدف من هذا الاتّفاق هو أن يُعاد إنتاج النظام المصرفي كقاطرة أساسيّة لنموّ الاقتصاد. عمليًّا تتركّز المسوّدة على أمرين: توزيع الخسائر وزيادة الضرائب. وتتمحور الخطّة على أربعة أطراف: الدولة اللبنانيّة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، متناسيةً الطرف الأهمّ وهو باقي البلد أي باقي القطاعات وباقي الاقتصاد والمشاكل الاجتماعية.
فبرنامج صندوق النقد الدولي لا يتضمّن حلولًا اقتصادية تنمويّة حقيقيّة. برامجه على أربعة عقود تخلو من أي إشارة إلى وضع سياسة صناعيّة موضع التنفيذ أو أي بناء للإدارة العامّة، بغية مساعدة البلد في النهوض، كما أكّدت التجارب في البلدان العربيّة وبلدان أمريكا اللاتينيّة. مهمّة صندوق النقد الأساسيّة في معالجة الأرقام على الورق (كالضرائب وسعر الصرف)، دون معالجة الاقتصاد والمشاكل الأساسيّة.