شهدت أطلال دير مار قرياقوس، شرقيّ بغديدا العراقيّة، الاحتفال بتذكاره الواقع في الأحد السادس من زمن الصوم المقدَّس.
يبكّر المؤمنون من بغديدا وما حولها من قرى وبلدات قاصدين الدير، ومعظمهم متزيِّنون بالملابس التراثيّة. ثم يشرع الآباء الكهنة والمؤمنون الحاضرون يتلون صلاة «التشمشت- الخدمة» ويوقدون الشموع ويرفعون البخور مكرّمين مار قرياقوس ومتضرّعين طالبين شفاعته. ويتقاسمون لاحقًا الأطعمة التراثيّة، وبخاصّةٍ الحنطة المقليّة.
مؤمنون يتجمّعون عند أطلال دير مار قرياقوس في بغديدا العراقية للاحتفال بتذكاره. مصدر الصورة: إسماعيل عدنان/آسي مينا
فرحة العيد بين الأهل مضاعفة
تشارك كرستينا إسحق البغديديّة القادمة من سيدني-أستراليا في احتفالات هذا العام، بعد قرابة ثلاثين عامًا من الغربة. وأعربت عبر «آسي مينا» عن سعادتها البالغة بأن تكون بين أهلها وهم يحتفلون بهذا التذكار المبارك.
وأشارت إسحق إلى أنّ المغتربين، رغم احتفالهم بالمناسبات والتذكارات الدينيّة في مهجرهم، يفتقدون الأديار التاريخيّة وتجمّعات الأهل في احتفالاتٍ مماثلة في الوطن. وأضافت: «غادر ابني العراق في الخامسة من عمره، واليوم يغمره الفرح وهو يزور بغديدا للمرّة الأولى بعد خمسة وثلاثين عامًا، ويشارك في هذه التجمّعات الدينيّة الرائعة بين الأهل؛ فشعور الإنسان بأنّه بين أهله لا يضاهى».
مؤمنون يتجمّعون عند أطلال دير مار قرياقوس في بغديدا العراقية للاحتفال بتذكاره. مصدر الصورة: إسماعيل عدنان/آسي مينا
عادت الاحتفالات إلى بهجتها الأولى
أمّا سامية جميل فلَم تنقطع عن المشاركة في الاحتفال بتذكار مار قرياقوس إلّا في سنوات التهجير القسريّ، بعد هجمة تنظيم داعش الإرهابيّ عام 2014. وقالت إنّ الاحتفالات قبل التهجير كانت عامرة بحشودٍ أكبر من البغديديّين الذين تفرقوا اليوم في أكثر من مهجر.
ورغم حزنها بسبب تفتّت عائلات عدّة وتفرّق أفرادها بين قارّات العالم، أعربت جميل عن ارتياحها لاستغلال كثيرين من البغديديّين مناسباتٍ مماثلة كي يقصدوا بلدتهم ويجتمعوا بأهلهم ويشاركوا في الاحتفال بالأعياد والتذكارات.
وأردفت: «نشكر الله، اليوم عادت الاحتفالات إلى بهجتها الأولى، وبغديديّون مغتربون كثيرون يستغلّون هذه المناسبة وما سيتبعها من أعياد ليزوروا بلدتهم، فيلتئم شمل العائلات من جديد».
مؤمنون يتجمّعون عند أطلال دير مار قرياقوس في بغديدا العراقية للاحتفال بتذكاره. مصدر الصورة: إسماعيل عدنان/آسي مينا
أطلال ديرٍ تاريخيّ
تقع أطلال دير مار قرياقوس شرقيّ بغديدا، ولم يتبقَّ من آثاره أيّ بناءٍ أو عمارة، سوى مغارة نقرتها الأيدي في رابيةٍ صخريّة لتكون مسكن رهبانٍ بغديديّين ومصلّى لهم، وفق ما قال الإعلامي البغديديّ بارزان عبد الغني عبر «آسي مينا».
مؤمنون يتجمّعون عند أطلال دير مار قرياقوس في بغديدا العراقية للاحتفال بتذكاره. مصدر الصورة: إسماعيل عدنان/آسي مينا
وأوضح أنّ القدّيس قرياقوس الطفل وأمّه يوليطي هما شفيعا هذا الدير التاريخيّ الذي وَرَد أوّل ذكرٍ تاريخيٍّ له في مخطوطٍ طقسيٍّ نُسِخ لكنيسته في عهد المفريان باسيليوس حبيب عام 1658.
واستدرك عبد الغني مبيّنًا وجود آراء أخرى تتحدّث عن راهبٍ بغديديٍّ اسمه قرياقوس، تنسّك متعبِّدًا في المكان عينه، مستفيدًا من قربه من البلدة ووقوعه ضمن محيطٍ مسيحيّ.
مؤمنون يتجمّعون عند أطلال دير مار قرياقوس في بغديدا العراقية للاحتفال بتذكاره. مصدر الصورة: إسماعيل عدنان/آسي مينا
وبسبب وَرَع الراهب قرياقوس وصلاحه، قصده الأهالي متبرّكين ومسترشدين بتعليمه الروحيّ. وما لبث أن التحق به عددٌ من شباب البلدة ليعلّمهم مبادئ الحياة الرهبانية وعباداتها، فانتعشت الحياة الرهبانيّة في الدير، حتى خلا من رهبانه عقب غزو طهماسب الفارسيّ للمنطقة عام 1743.