بهذه الرسالة انطلق الراعي في خدمته البطريركية لبنانيًّا وعالميًّا. رسالة لم تتحقّق كلّيًا حسب قوله «أوّلًا بسبب الفراغ الدستوريّ الذي عرفناه قبل انتخاب العماد ميشال عون، ومن ثمّ بسبب الحكومات التي كانت تُصَرِّفُ الأعمال حصرًا». ومع ذلك، سارت الشركة والمحبّة على مستوى الحياة الكنسيّة وفق ما أراد سيّد بكركي، فيشرح: «زرنا جميع المؤسّسات المارونيّة والجاليات اللبنانيّة المنتشرة في العالم ودول الاغتراب، وأصدرنا الكتب في خلال تلك الرحلات. ولكن، هل وصلنا إلى الكمال؟ حتمًا لا، لأنّ الكمال لله وحده».
ويؤكّد الراعي أنّه مرتاح الضمير إزاء ما فعله حتّى اليوم في خدمته البطريركيّة: «كرّستُ علاقتي بالجميع ولم أُقصِ أحدًا، ولكن في بعض المواقف، خصوصًا في عظات يوم الأحد، ما كان كلامي يعجب الجميع. وبعضهم كان يترجمه وفق منطقه الخاصّ. ربّما قصّرتُ، ولكنّني سعيتُ جاهدًا إلى بناء علاقة جيّدة بمختلف الأطراف، وأبواب بكركي مفتوحة للجميع». ويُضيفُ: «طالني التجنِّي والأمور المغلوطة. لم أُجِب عندما كان يُطلب منّي الردّ. أبوابنا مفتوحة لمن يريد معرفة الحقيقة، أمّا من لا يريد معرفتها فهذا شأنه، وفي النهاية ستُكشف الحقيقة». ويردف: «لا أحبّذ الإجابة من خلال الإعلام ولا أحاسب أحدًا؛ فمواقفي تتجلّى أمام ربّنا بكلّ شفافية».
محطّة تاريخيّة... تطويب الدويهي
شهِدت السنوات الأربع عشرة الماضية محطّات تاريخيّة في حياة الكنيسة المارونية عمومًا ومسيرة الراعي خصوصًا، أبرزها تطويب البطريرك إسطفان الدويهي. عن هذا الحدث المهمّ يقول الراعي: «إسطفان الدويهي هو البطريرك الأعظم الذي عرفته الكنيسة المارونيّة، ولم يأتِ مثله أحد إذ صنع التاريخ وكتب اللاهوت والليتورجيا. وقد يصعب على أحد قراءة كلّ ما أنتجه هذا البطريرك الذي كانت عظمته مخفيّة في قداسته، وهو اليوم طوباويّ، قدّيس بين القدّيسين، وأوّل بطريرك يطوَّب وفق القوانين الجديدة». ويتابع: «هناك بطاركة يجب أن تُعلن قداستهم، منهم البطريرك جبرائيل من حجولا الذي قتله المماليك حرقًا في ساحة طرابلس، ونحن نعمل على جمع تاريخه».
ويواصل الراعي حديثه عن الدويهي: «كان فخرًا للبطريركيّة وزغرتا وإهدن (منطقته) وعموم لبنان. فهو من دوَّن تاريخ لبنان، تاريخ الأزمنة. لم يكن للبطاركة مسكن وتعرّضوا للمضايقات أينما سكنوا. وفي عهد المماليك، عمدَ العثمانيّون إلى حرق الكتب بعد وصولهم إلى مركز البطريرك، فلم يعد لدينا تاريخ؛ لذا كان الدويهي يجمع الكلمات من هنا وهناك إلى أن صنع هذا التاريخ».
ويُضيف: «سكن الدويهي في قنّوبين، وفي كلّ يوم كان أحدهم يعتدي عليه. فهرب إلى كسروان ووصل إلى مجد المعوش (الشوف). فمتى كتب ذلك كلّه؟ هنا تكمن عظمة هذا البطريرك الذي يشكّل فخرًا لكلّ لبنان واللبنانيّين والكنيسة المارونيّة، وللكنيسة الشرقيّة أيضًا؛ فحدث تطويبه يخصّ الجميع، مسيحيّين ومسلمين. ونتمنّى أيضًا أن يعلَن البطريرك إلياس الحويّك طوباويًّا، إذ بلغت دراسة إحدى معجزاته مرحلتها الأخيرة. ولكنّ البطريرك الدويهي هو البطريرك الأعظم، ولا يمكن أن يُحقِّق أحد ما أنجزه. وهو عن حقّ ما كُتِبَ عنه تحت صوره: "منارة علم وقداسة"».