من الظلمة إلى النور… تأمّلات في مَثل الابن الضالّ

الابن الضالّ… قصّة التوبة والمحبّة في قلب الإنجيل الابن الضالّ… قصّة التوبة والمحبّة في قلب الإنجيل | مصدر الصورة: ويكيميديا كومونز

يُصادف أحد الابن الضالّ هذا العام في 23 مارس/آذار. وفي هذه المناسبة، يُطلّ عبر «آسي مينا» الأب إيلي فرج الذي يخدم في إيطاليا، ليُخبرنا عن العبرة الروحيّة من مَثَل الابن الضالّ (لو 15: 11- 32)، وكيف أنّ الله الرحيم ينتظر في كلّ حين عودتنا إليه تائبين.

يقول فرج: «أحبُّ أن يُطلَق على مَثَل الابن الضالّ اسم مَثَل الأب الرحوم، لأنّ أهمّيتَه تبرز في فعل الرحمة والمسامحة. فهذا المَثَل يأخذنا إلى قلب رحمة الله الذي يغفر لنا دائمًا برحمة وحنان».

الأب إيلي فرج. مصدر الصورة: الأب إيلي فرج
الأب إيلي فرج. مصدر الصورة: الأب إيلي فرج

ويُضيف: «إنجيل الابن الضالّ يُقسم إلى جزئين: الأوّل يخبر عن الابن الأصغر الذي أخذ حصّته من الميراث وراح يُبذِّر أمواله في الخلاعة، وبعدها عانى الفقر. ولمّا بلَغَ حال الندم والألم، قرّر الرجوع إلى بيت أبيه. أمّا القسم الثاني فيخبرنا عن الابن الأكبر الذي لم يترك أباه وخَدَمه سنوات طويلة، ولم يَعصِ أوامره. لكن حين رجِع أخوه، تعجّب كيف أنّ أباه ذبح له العِجل المُسمَّن، حتّى قال لأبيه بطريقة حقَّر فيها أخاه: "'ولمَّا قَدِمَ ٱبنُكَ هٰذا الَّذي أَكَلَ مالَكَ مع البَغايا، ذَبَحتَ له العِجْلَ المُسَمَّن!" (لو 15: 30)».

ويؤكّد: «لدى الله رغبة عظيمة وفريدة؛ إذ لا أحد يضيع أو يختفي، لأنّ إصرار الأب يجعله دائمًا ينتظر عودة أولاده، عاكسًا صورة الأب الرحيم الذي لم يستقبل ابنه وحسب، بل ردّ له كرامة الابن. وفي كلّ حياتنا، يجب ألّا ننسى أنّنا مستمرّون لأنّنا أبناء الله الذي يحبّنا من أحشائه وينتظرنا باستمرار».

ويُكمل فرج: «الابن الأصغر أحسَّ بخطيئته، فجاء إلى أبيه وطلب منه أن يستقبله كأنّه خادم، بقلب عبدٍ، لكنّ أباه أعاد له قلب الابن. كما أنّ الابن الضالّ سلّم آلامه لأبيه، ونحن أيضًا بخطيئتنا نرفض حبّ الله المجّانيّ، إنّما عندما نتوب ونعود إلى أحضانه، نحصل على الخاتم والعرس، ونكون دائمًا أبناء للآب، فهذا يُزيّن كرامتنا وهويّتنا».

ويُخبِر: «مَثَل الابن الضالّ يُتلى في زمن الصوم، لأنّه يُخبرنا عن توبة الخاطئ ومحبّة الله اللامتناهية ورحمته غير المشروطة. وحين رجع الابن الأصغر إلى ذاته، وصنع فعل توبة، جسّد بذلك الرجوع إلى الله بعد الابتعاد عنه. الشعور بالخطيئة هو علامة على التوبة، والرحمة بجوهرها هي رباط المحبّة الذي يجمع الخالق بالمخلوق، والآب بالابن، والأبناء ببعضهم بعضًا».

ويُتابع: «المثابرة ضروريّة في سبيل العودة إلى أحضان الآب السماويّ، العودة بالندم والألم واهتداء القلب والقرار الحاسم في التغيير الجذريّ. ونرجع أيضًا إلى أحضان الآب من خلال نيل المغفرة في سرّ الاعتراف. الله الرحوم لا ينتظر عودتنا إليه وحسب، بل يأتي لاستقبالنا نحن الخطأة التائبين، ويحضننا بحبّ».

ويكشِف: «بيت الربّ هو بيتنا الذي تكمن فيه باستمرار بهجة الاحتفال، لأنّ الربّ ينتظرنا رغم خطيئتنا، والمهمّ لديه هو أن نشعر بالحنين لبيته، ونفتح قلوبنا لرحمته الإلهيّة، ونندهش من محبّته الأمينة، وأمام عطيّته الإلهيّة، حتّى نتمكّن من أن نُدعى له أبناءً بالفعل».

ويزيد فرج: «مَثَل الابن الضالّ يجعلنا نعانق الآب الذي يخاطبنا من خلال حبّه الأبويّ، وهو ليس نهاية مغامرة إنسانيّة وحسب، بل هو بداية حياة جديدة وقصة حبّ بهيجة وحقيقيّة، حتّى في أسوأ لحظات حياتنا. فلنثق في أنّ الله ينتظرنا ويريد معانقتنا، ولنكُن رحماء مثل الآب السماويّ».

ويختِم مع القدّيس فرنسيس الأسيزي قائلًا: «يا ربّ، استعملني لسلامك، فأضع الحبَّ حيث البغض، والمغفرةَ حيث الإساءة، والاتّحادَ حيث الخلاف، والحقيقة حيث الضلال، والإيمانَ حيث الشّك، والرجاء حيث اليأس، والنور حيث الظلمة، والفرح حيث الحزن».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته