كيف نفهم وصيّة «أكرِم أباك وأمّك» اليوم؟

لوحة تجسّد العائلة المقدّسة لوحة تجسّد العائلة المقدّسة | مصدر الصورة: Renata Sedmakova/Shutterstock

شَرَعَتْ انتِقالةُ الوصايا من العلاقة بالله إلى العلاقة بالقريب مع وصيّة «أكْرِمْ أبَاكَ وَأمَّكَ لِتَطُولَ أيَّامُكَ عَلَى الأرض الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إلَهُكَ»، الوصيّة الوحيدة المتضمِّنة وعدًا بالمُجازاة بالخير والمكأفاة الصالحة. فالوالدان هما علّة وجود أبنائهما، إذ أعطياهم الحياة هبة.

بمباركته أبوَينا، آدم وحوّاء، قائلًا: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ»، أعطى الله الوالدين مهمّة «إعطاء الحياة»، على مثاله، وفق ما شرح راعي إيبارشيّة أربيل الكلدانيّة المطران بشّار متّي وردة في حديثه لـ«آسي مينا»، مؤكّدًا أنّ «الأب والأمّ هما آنية حُبِّ الله للخليقة، ولولاهما لكُنّا في عِداد العَدَم الأبديّ».

شريكا الله في عمل الخَلْق

وشدّد على وجوب إكرام هذين الشريكَين في عمل الخَلْق وديمومته، قائلًا: «إنّه إكرامٌ حصريّ خصّهما الله به. الله لم يُطالِبِ الإنسانَ بإكرام سلطةٍ أو إنسانٍ أو شيءٍ آخر على الأرض، سوى الوالدين». ونبَّه إلى انتقادِ ربّنا يسوع الفرّيسيّينَ لأنّهم يُحِلّون للشخص ألّا يُقدِّم العونَ إلى أبيه وأمّه إذا عزَمَ على أن يُخصِّصهُ للهيكل قُربانًا، فيرفضون وصيّة الله لِيَحفَظوا تقليدَهم.

وسلّط وردة الضوء على دور الوالدين في زرع بذرة الإيمان في قلوب أبنائهما ورعايتها، وتعليمهم الكتاب المُقدّس وتعريفهم بإلههم «على مثال أمّنا مريم ويوسف المواظبَين على الصعود إلى الهيكل "كُلَّ سَنَةٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ" واصطحاب يسوع "لَمَّا كَانَتْ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ كَعَادَةِ الْعِيدِ"».

كلمة مُحرِّرة

ولفت إلى أنّ هذه الوصيّة تقدّم بُشرى تحرِّرٍ عظيم، «إذ تُحرِّرُ الأبَ والأم من وهمِ تملّك الأبناء الذي يعوق نموّهم أناسًا صالحين. فالأبناء عطيّةٌ من الله، وعلى الوالدَين أن يقبلا هذه العطيّة بمهابة ويُحسِنا تربية أبنائهما وتعليمهم الإيمان القويم».

وأردف: «وهي كلمة مُحرِّرة للأبناء أيضًا. فإكرام الأب والأمّ يخلق وعيًا لدى الأبناء ليُدركوا أنّ العالم بدأ قبل أن يكونوا، فليسوا هم بدايته، ولن يكونوا خاتمته. هم بَشَرٌ حُمِلوا بين أذرع والديهم قبل أن تطأ أقدامهم الأرض، والأحرى بهم عيش حياتهم بصلاح، فإكرام الوالدين لا يكون باحترامهما والإحسان إليهما فحسب، بل أيضًا في أن تعيشَ إنسانًا صالحًا، ثمرةَ تربيةٍ صالحةٍ من والدِين صالحين، فينالا الطوبى من خلالك (لو 11: 27 – 28)».

«الله لم يَقُل أطِع بل أكرِم»

لا تتحدّث الوصيّة عن واجبات الوالدين وما عليهما أن يُقدّماه، ولا تحدّد طريقة ممارسة سلطتهما علينا، بل تُشير إلى ضرورة تقديم الإكرام اللائق لهما، فنحن لا نُكرِّم والدينا لأنهما كانا «أبًا وأمًّا كاملَين»، بل لأنهما عملا ما بوسعِهِما لنكون ما نحن عليه اليوم.

وختم وردة جازمًا باستحقاق كلّ أبٍ وأمّ عرفان أبنائهما وشكرهم، متجلّيَّين في إظهار الاحترام والإكرام اللائقَين، وبخاصّةٍ عندما يكبران ويشيخان أو يمرضان أو يكونان في عَوَزٍ. وقال: «من هنا نفهم أنّ الوصيّة ليست موجّهة إلى الأطفال واليافعين فحسب، بل إلى البالغين أيضًا. وغايتها حماية الآباء والأمّهات في شيخوختهم، فلا يُهمَلون أو يُنبَذون أو يُهانون. لذا، لم يَقُل الله: أطِع، بل: أكرِم».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته