مثَل لعازر والغنيّ… رسالةٌ للتوبة والعطاء استعدادًا للصوم الكبير

تأمّل روحيّ في مثل لعازر والغنيّ قبل الصوم الكبير تأمّل روحيّ في مثل لعازر والغنيّ قبل الصوم الكبير | مصدر الصورة: ويكيميديا كومونز

تحتفل الكنيسة الكاثوليكيّة بأحد الموتى المؤمنين لهذا العام في 23 فبراير/شباط. وفي هذه المناسبة، يُطلّ عبر «آسي مينا» الكاهن مارون غنطوس، مدير إذاعة صوت السما في مدينة زحلة وخادم رعيّة سيّدة المعونة الدائمة في تعلبايا، ليُخبِرنا عن العبرة من مثل الغنيّ ولعازر (لو 16: 19- 31) الذي يُتلى في زمن الاستعداد للعبور نحو الصوم الكبير.

يشرح غنطوس: «يُقرأ إنجيل لعازر والغنيّ في زمن التحضير للصوم الكبير، أوّلًا من أجل الوقوف أمام مرآة الذات، ومن ثمّ الغوص في مشروع الله الخلاصيّ لنا. في السابق، كان العالم يُقسم إلى فئتين من الناس؛ فهناك مَن كانوا يؤمنون بالقيامة، وفي المقابل كان هناك من لا يؤمنون بها».

ويُضيف: «في الكتاب المقدّس، حين سُئل يسوع لِمَن تكون في القيامةِ المرأةُ التي تزوّجت سبعة إخوة؟ أجابهم الربّ: "في السماء لا يتزوّجون ولا يُزوّجون، إنّما يكونون مثل الملائكة" (متّى 22: 30). وهكذا نخرج من شريعة الجسد إلى شريعة الروح. وإنجيل لعازر والغنيّ يهدف إلى تصويب العلاقة البشريّة التي تعكس صورة الله والإنسان».

ويُخبِر غنطوس: «"إنْ قال أحدٌ: إنّي أحبُّ الله، وأبغَضَ أخاه، فهو كاذب، لأنّ من لا يُحبّ أخاه الذي يُبصره كيف يقدر أن يُحبَّ الله الذي لم يُبصِرهُ" (1يو 4: 20). تحملنا هذه الآية للتأمّل في مثل لعازر والغنيّ؛ كان هذا الأخير متكبّرًا ومُتنعّمًا بحياة فاخرة، حتّى إنّ الإنجيل لم يذكر إذا كان متزوّجًا أو لديه أولاد». ويزيد: «أمّا لعازر فكان فقيرًا، متألّمًا ومجروحًا، حتّى إنّ الكلاب كانت تلعق جروحه. فماذا يريدُ الربّ أن يقول لنا؟ حين جاء يسوع، أطعم الجياع، وشفى المرضى، فتحنَّن عليهم، وهذا الفعل الأخير قد وَرَد مرارًا في الإنجيل. وصفةُ التحنُّن الإلهيّة غير موجودة لدى الغنيّ، ولأنّه اختار البُعد عن الله، لم يستحقّ في ساعة موته الحياة الأبديّة. أمّا لعازر الذي تألّم وصبر، فطُوِّب وسكن في أحضان إبراهيم».

الكاهن مارون غنطوس. مصدر الصورة: الكاهن مارون غنطوس
الكاهن مارون غنطوس. مصدر الصورة: الكاهن مارون غنطوس

ويكشِف غنطوس: «مات الغنيّ وظلَّ متكبِّرًا، فنادى: "يا أبتِ إبراهيم، ارحمني وأرسِل لعازر لِيَبُلَّ طرف إصبعه في الماء ويبرّد لساني، فإنّي معذّبٌ في هذا اللهيب" (لو 16:24). وهذا يؤكّد أنّه لم يعرف المحبّة التي يُشكّل التحَنُّن أساسها. وحُكِم عليه بالجحيم المؤبّد لأنّه غير قادر على التوبة. من هنا، لا يقدر شرّيرٌ أن يترك الجحيم إلى الفردوس، ولا مجال لأبناء الملكوت بعد رحيلهم أن يسقطوا إلى الجحيم».

ويروي: «قال الغنيُّ لإبراهيم: "أسألكَ إذًا يا أبتِ أن ترسله إلى بيت أبي، فإنّ لي خمسة إخوة، فليُنذِرهم لئلّا يصيروا هم أيضًا إلى مكان العذاب هذا. فأجابه إبراهيم: عندهم موسى والأنبياء، فليستمِعوا إليهم" (لو 16: 27 -29). يجعلنا هذا الحوار نتساءل: لماذا هو خائف على إخوته ولم يَخَف على نفسه؟ وإذا كان محبًّا، لماذا ذهب إلى الجحيم؟».

ويردِف غنطوس: «اعتقَدَ الغنيّ الذي كان مثالًا سيّئًا أمام إخوته، أنّه إذا استمرَّ إخوتُه في فعل الشرّ، سيحترق هو أكثر بنيران الجحيم. لهذا استخدم الخير لمصلحته الشخصيّة».

ويُكمِل: «هذا المثل يُحدّد الفردوس والجحيم. فأين المطهر إذًا؟ المطهر عقيدة كاثوليكيّة، إذ جاء في الكتاب التعليميّ المسيحيّ، البند 3/ الفقرة 1030: الذين يموتون بنعمة الله وصدقته، ولم يتطهّروا بعد تطهيرًا كاملًا، وإن كانوا على ثقة من خلاصهم الأبديّ، يخضعون من بعد موتهم للتطهير، ليحصلوا بها على القداسة الضروريّة لدخول فرح السماء». ويُتابِع: «فأين يُشار إلى المطهر في الكتاب المقدّس؟ قال يسوع: "من جدَّف على الروح القدس، لن يُغفَرَ له، لا في هذا الدهر ولا في الدهر الآتي" (متّى 12: 32). وجاء أيضًا: "لهذا قد قدّم يهوذا المكابي ذبيحة التكفير عن الأموات، ليُحَلّوا من الخطيئة" (2 مك 12: 46). هاتان الآيتان تؤكّدان وجود المطهر. وصلاة الكنيسة المجاهدة وصلاتنا هي في سبيل خلاص هؤلاء الراقدين على رجاء القيامة».

ويقول غنطوس: «نُجَدِّدُ في صلاتنا لأجل الراقدين، مغفرة يسوع على الصليب: "يا أبتاه، اغفر لهم لأنّهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو 23: 34). فيسوع بذل ذاته لأجل الآخرين، وهذه قمّة الرحمة والتحنُّن. كما يُتلى مثل لعازر والغنيّ في أحد الموتى المؤمنين لكي نتذكّر أنّنا من التراب وإلى التراب نعود». ويوضح: «في العهد القديم، لم يكن الرماد علامة تذكير بالموت بل للتوبة، لأنّ الشجرة كانت حيّة، حُرِقت وتُلِفت، وأصبحت رمادًا. وهذا مصيرنا نحن البشر عند الموت، إنّما سنلبس جسدًا نورانيًّا يوم القيامة، حتّى نكون شُركاء ليسوع في الملكوت».

ويختِم غنطوس: «تحنَّن على ذاتك أيّها الإنسان من أجل خلاصك، تحنَّن على القريب من أجل خلاصه، وتحنَّن كما الله تعالى، فتكون على مثاله، وتُرجع بهاء الصورة الأولى التي خلقك من أجلها قبل السقوط الأوّل».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته