الأب سليم عيسى: القدّيس أنطونيوس حوّلَ الصحراء باديةً مزهرةً بالصلاة

الأب سليم عيسى الأب سليم عيسى | مصدر الصورة: الأب سليم عيسى

تحتفل الكنيسة الكاثوليكيّة بتذكار القدّيس أنطونيوس الكبير في 17 يناير/كانون الثاني من كلّ عام. وفي هذه المناسبة، يُطلّ عبر «آسي مينا» الأب سليم عيسى، من الرهبانيّة الأنطونيّة، ليُخبرنا عن هذا القدّيس المُعلّم والناسك الذي دُعِيَ بحقّ «مؤسّس الحياة الرهبانيّة الجماعيّة»، وكان أوّل من وضع القوانين لها.

يَنطلِقُ الأب عيسى: «إذا أردنا الكلام عن أحدٍ أحبَّ الله بهذا الحجم، فإنّه يَسهُلُ الكلام عنه ويَصعُب في الوقت عينه؛ يَسهُل في حال تطرَّقنا إلى كلّ جميلٍ كان ساكنًا فيه، إنّما نخشى ألّا نُعطيه حقّه. كم نشعر بلذّة اللسان والفكر عندما نتحدّث عنه! إنّه من دون شكّ القدّيس أنطونيوس الكبير الذي حمَلَ هذا اللقب لأنّه بكلّ بساطة أحبَّ يسوع إلى هذا الحدّ. كما أنّ هذا القدّيس عاش طويلًا، إذ ماتَ وكان عمره مئة وخمس سنوات. ولو كان ما زال حيًّا، لكان مستمرًّا في نزفِه العشقَ المُلتهب ليسوع».

ويُضيفُ: «أمّا اسم أنطونيوس فمعناه الجدير بالثّناء، وهو النفيس، أي الغالي جدًّا الذي يتعذَّر تقديرُه. كلّ هذه المعاني التي حَمَلها اسمُه، كانت بالفعل تنطبق عليه. ظلَّ هذا القدّيس طيلة حياته ينسب هذه المعاني إلى خالقه، فعلينا نحن بدورنا أن نسير على خُطاه، ونُرجِع كلَّ ما أعطانا الله من جماليّاتٍ إليه، وهكذا نتذكّر مع القدّيس أنطونيوس نشيد العذراء مريم حين قالت: "تُعظّمُ نفسي الربّ"، وليس تُعظّمُ نفسي نفسي».

ويُخبِرُ الأب عيسى: «كان أنطونيوس شابًّا غنيًّا لا ينقصه شيء. وذات مرّة، بينما كان واقفًا في ساحة الكنيسة مع أصدقائه، دفعته الحشريّة للدّخول إلى الكنيسة، فسمع الكاهن يقول: "إذا أردتَ أن تكون كاملًا، فاذهب وبع أملاكك واعطِ الفقراء، فيكون لك كنزٌ في السماء وتعالَ اتبعني" (متّى 19: 21). عندئذٍ، استوقَفَتهُ هذه العبارة وبدأ يتساءل: "هل هناك من كمالٍ أكثر من الذي وصلتُ إليه؟"».

ويُتابِعُ: «بعدها قرّرَ أنطونيوس خوض تجربة التخلّي عن كلّ شيء، فوزّع كلّ ما يملكه على الفقراء، وأعطى شقيقته نصيبها من الميراث، ومن ثمّ سار صوب الصحراء، خائضًا مغامرة جديدة وفِعلَ خروجٍ جديدًا لحياته».

ويؤكّدُ: «يصادف عيد القدّيس أنطونيوس على مسافة قريبة من عيد الغطاس الذي تبرز فيه شخصيّة القدّيس يوحنّا المعمدان، وهذا يجعلنا نلمس أنّ هناك قاسمًا مشتركًا بينهما، إذ كان يوحنّا صوتًا صارخًا في البرّيّة، أمّا أنطونيوس فقيل عنه إنّه كوكب البرّيّة. وهنا يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي: ماذا ينفع الصوت الصارخ أو الضوء في البرّيّة التي لا حياة فيها؟».

ويردِفُ الأب عيسى: «علينا أوّلًا أن نفهم ما هو معنى البرّيّة، فهي المكان البعيد والخالي من البشر والذي يُمثّل البُعد عن الله. ويوحنّا طرَحَ الصوت ليرجع الناس إلى الله. وكوكب البرّيّة أصبح هو الضوء الذي حوَّلَ الصحراء إلى بادية مُزهرة بالصّلاة والرهبان الذين ساروا على نهجه. يحضّ كوكب البرّية رهبانه على أن يكونوا ضياء المسيح، فَيَعملون على جذب الآخَر إلى يسوع».

ويزيدُ: «تُكمِل رهبانيّة القدّيس أنطونيوس رسالتها اليوم، لكن وفق متطلّبات هذا العصر، أي من خلال الصلاة والعمل والتبشير والتعليم. فقد أنشأت رهبانيّتُه الكثير من المدارس، إيمانًا منها بأهمّيّة التعليم. وقد رأينا أنطونيوس في أيّامه كيف كان يترك حياة النسك في بعض الأحيان، ويتوجّه إلى المدينة ليُدافع عن الإيمان المستقيم في وجه بدعة آريوس. كان أنطونيوس يؤيّد التعليم حتّى يصل المرء إلى كماله، أي إلى معرفة الله، لأنّه لو بلَغَ كلّ العلوم وكان يجهل الله، فهو لا يعرف شيئًا».

ويخْتِمُ الأب عيسى: «قال أنطونيوس: "الحياة المسيحيّة هي مع المسيح وهي عِشْرتُه". قُلْ لي من تُعاشر أَقُلْ لك من أنت. فنحن معشر يسوع الحبيب، والحياة المسيحيّة لا تبلغ غايتها إلّا من خلال المسيح وتذوّق حلاوته».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته