في هذا الإطار، اعتبر رئيس قسم «العالم» في صحيفة «نداء الوطن» اللبنانية الصحافيّ والباحث السياسيّ جوزيف حبيب في حديث لـ«آسي مينا» أنّ «المسيحيين في سوريا عانوا الذمّية والاضطهاد والتمييز مدى قرون، وكانوا على الهامش في ظلّ أكثر من نصف قرن من ديكتاتوريّة "آل الأسد"، مشيرًا إلى أنهم يواجهون اليوم تحدّيات هائلة في ظلّ مرحلة انتقاليّة لم تتّضح معالمها بالكامل».
وأوضح حبيب أنّ «الصبغة الإسلاميّة للإدارة السوريّة الجديدة تُثير مخاوف جسيمة في أوساط المجتمع المسيحي المتنوّع في بلاد الشام»، مؤكّدًا أنّ «المسيحيين الذين عانوا كثيرًا في ظلّ النظام السوري السابق، يُريدون العيش بكامل حرّيتهم وكرامتهم، بمساواة تامّة مع مختلف شرائح المجتمع السوري التعدّدي، بعيدًا من أيّ شكلٍ من أشكال الذمّية وألوانها العنصريّة»، ومشدّدًا على «حقّ المسيحيين بالتمتّع بكامل حقوقهم السياسيّة».
أمّا الأزمة الاقتصاديّة التي تشهدها سوريا، والناجمة خصوصًا من العقوبات الغربيّة التي فُرِضت على النظام السابق، فقد أثّرت مباشرةً في حياة المسيحيين. ومع تدمير البنية التحتيّة نتيجة الحرب، وفي ظلّ نقص الموارد، تُعاني العائلات المسيحيّة البطالة والفقر. لذلك فإنّ تقديم دعم دوليّ لمشروعات صغيرة ومتوسّطة، وإيجاد فرص عمل جديدة، يمكن أن يُسهما في تحسين ظروفهم المعيشيّة. أمّا إعادة إعمار المناطق المتضرّرة فتتطلّب وقتًا وتمويلًا كبيرًا وجهودًا دوليّة مشتركة.
نزوح وهجرة
الهجرة الجماعيّة للمسيحيين بحثًا عن الأمان والاستقرار تُهدّد بإفراغ سوريا من مكوّنٍ رئيسٍ من مكوّناتها، وتؤدّي بمرور الوقت إلى الإضرار بجمال فسيفسائها الطائفيّة. عائلاتٌ مسيحيّة كثيرة نزحت داخليًّا أو لجأت إلى الخارج، وهو ما يُضعف تماسك المجتمع المسيحي. هذا الخطر الداهم يجب أن يكون حاضرًا وبقوّةٍ على طاولة الإدارة الجديدة التي يتوجّب عليها وضع سياساتٍ لإعادة اللاجئين وتوفير ظروف معيشيّة آمنة ومُستقرّة لهم بغية الحفاظ على الهوية المسيحيّة في سوريا.
ورأى حبيب أنّه «إذا أراد السوريّون بناء دولة تتطلّع إلى سبر أغوار الربع الثاني من القرن الحالي، فعليهم تبنّي الشكل الفدرالي للدولة الذي يضمن حقوق جميع السوريين بكلّ انتماءاتهم وخلفيّاتهم، فضلًا عن صياغة دستور لا يتّخذ الإسلام دينًا للدولة، ويكون مفصّلًا عن المقاسات الصحيحة والدقيقة للجسم المجتمعي السوري الفسيفسائي، فيحفظ حقوق جميع الطوائف والمجموعات».