الأخت مارانا سعد: الحياة نفَسٌ ونفَسنا هو المسيح

الأخت د. مارانا سعد، مؤسّسة جوقة «فيلوكاليّا» الأخت د. مارانا سعد، مؤسّسة جوقة «فيلوكاليّا»

ترعرعت الأخت د. مارانا سعد على يقينٍ بأنّ الموسيقى ترافق الإنسان منذ ولادته، أي منذ دَقّة القلب الأولى والنفَس الأوّل، فهي وَقْع الخطوات ونغم الحياة. وقد ترجمت هذا اليقين بتأسيسها جوقة «فيلوكاليّا» التي أصبحت من أهمّ الجوقات في لبنان، كما سطع حضورها في الخارج. والأخت مارانا حائزة دكتوراه في اللاهوت من روما ومتخصّصة في العلوم الموسيقيّة.

وهي تطلّ اليوم عبر «آسي مينا» لتُشاركنا اختبارها الحيّ، المتوّج بضياء المسيح والمعزوف على أوتار الخشوع والحبّ والجمال عاكسًا رغبتها العميقة في التجذّر بالتراث والأصالة.

تنطلقُ الأخت سعد: «الله بالنسبة إليّ موجود في الكون والطبيعة، وفي نفس كلّ إنسان وروحه، وفي حياتي اليوميّة. لا يمكنني أن أفعل أيّ شيء قبل أن أُسلِّمه نهاري بكامله وأتّكل عليه». وتردِفُ: «فالله يعطينا الوحي، ويمنحنا نعمة العقل وقدرة التمييز بين الخير والشرّ، وهذا الأمر أبنيه من خلال التأمّل بكلمة الله في الكتاب المقدس».

الأخت د. مارانا سعد، مؤسّسة جوقة «فيلوكاليّا».
الأخت د. مارانا سعد، مؤسّسة جوقة «فيلوكاليّا».

لا أترك الصعوبات تُغرقُني 

وتُخْبِرُ: «اكتشفتُ أنّني شخص إيجابيّ في الحياة، لا أترك الصعوبات تُغرقُني بل أقفز فوقها، وهذه نعمة من الله. فالحياة لا تخلو من التحدّيات، إنّما علينا أن نوجّهها صوب الخير، فإذا كنّا نؤمن بأنّ الله معنا، علينا ألّا نخاف البتّة. قال الربّ: "بل شَعَرُ رؤوسِكم نَفسُهُ مَعدودٌ بِأَجمَعِه"... (لو 12: 7). فما هو إذًا حال حياتنا بتفاصيلها؟».

وتُضيفُ: «فبعد كلّ ألمٍ قيامة، وبعد كلّ وجعٍ مصالحة. فكلّ الأمور ستعود وتُزْهِرُ. وشعاري في الحياة هو قول القدّيسة تريزا الطفل يسوع: "كلّ شيء هو نعمة من الله". كلّ الأمور تزيد من نضجنا ووعينا، وتُلقي على عاتقنا مسؤوليّة. ونرى كيف أنّ الإنسان بعد الموت يُصبح أكثر صلابة، ويعي أنّ الحياة ليست سوى عبور، فيتحضّر هو بدوره لبلوغ هذه الفكرة».

الموسيقى تؤثّر في النفوس

وتؤكّدُ الأخت سعد: «الفنون تُخلّصُ العالم أجمع، فهي الرُّقيّ في حدّ ذاته. ولكي يكون الإنسان فنّانًا أصيلًا، يجب أن يتمتّع بالعمق والخُلُق والمسؤوليّة، لأنّه يحمل رسالةً في قلب هذا الخَلق. وهذا الواقع، يخلق فيه إنسانًا ملتزمًا وكتلة من الأحاسيس، من فرحٍ وعطاء وما إلى ذلك. الموسيقى تؤثّر في النفوس، وتخترق الإنسان إلى الصميم من دون استئذان، فكيف إذا كانت تحمل كلمة الله!».

الأخت د. مارانا سعد، مؤسّسة جوقة «فيلوكاليّا».
الأخت د. مارانا سعد، مؤسّسة جوقة «فيلوكاليّا».

وتُكمِلُ: «الكلمة واللحن توأمان، يسيران معًا، ويرفعان الإنسان ويُطهّران نفسه وعقله، ويجعلانه يرتقي بفكره وفلسفته ومنهجيّته بالحياة. أمّا الموسيقى ضمن جوقة أو أوركسترا موسيقيّة فتخلق بين أعضائها العمق الاجتماعيّ، فتتجلّى بينهم روح المشاركة والثقة بالنفس، والاحترام والإصغاء للآخر بهدف الانسجام والاستماع لبعضهم بعضًا. كما تؤدّي إلى معرفة أنّ ثمّة مواهب مختلفة، فتختفي الأنا، ويكون الآخر قيمة إضافيّة. والموسيقى تُقوّي اللغة لدى الشباب والصبايا والأطفال، فيستثمرونها في الغناء بلغاتٍ مختلفة، فيكتسب الفنّان طريقة إلقاء النصوص، والقيادة بصوته وشخصيّته. فالموسيقى تمنح الصحّة النفسيّة والجسديّة».

اهتماماتي تهدف إلى تمجيد الله

وتكشِفُ: «أذكرُ أنّه بتسعايّة وفاة البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني، دعاني الأب بولس القزّي لكي أدير جوقة الإخوة والكهنة يومها، وذلك بحكم أنّني كنتُ وقتها أدرس كيفيّة قيادة الجوقة. كما اعتبرتُ أنّ هذا الأمر من واجباتي، وكان دخولي إلى الفاتيكان مثل دخولي إلى أيّ كنيسة صغيرة، أو إلى الصرح البطريركيّ، فالكنيسة هي الكنيسة».

وتُضيفُ الأخت سعد: «بهذه الروحانيّة، دخلتُ الكنيسة واحتفلنا بالذبيحة الإلهيّة، وكنتُ سعيدة، إلّا أنّ الأصداء تعالت، وكُتِبَ عن الحدث في الجرائد، وحُكي كيف أنّ راهبة، امرأة، تدير جوقة رهبان وكهنة، فاستغربتُ حينذاك لأنّني عشتُ الحدث بكلّ صفاء وصلاة، وابتهجتُ لقيادتي الجوقة بروح مسيحيّة يوميّة. فرح الناس طبعًا وقدّروا الحدث، لكنّ قراءتي له كانت مختلفة؛ نعم، تعنيني جدًّا بركة البابا أو البطريرك وأيضًا حضورهما، إنّما اهتماماتي تتخطّى حدود الحضور من خلال إدارة الجوقة، وتهدف إلى تمجيد الله».

الأخت د. مارانا سعد، مؤسّسة جوقة «فيلوكاليّا».
الأخت د. مارانا سعد، مؤسّسة جوقة «فيلوكاليّا».

فعل شكر ورسالة إيمان

وتؤكّدُ: «فمن خلال الرسالة التي أؤدّيها، تتجلّى كثرة الناس الموجوعين على أكثر من صعيد، لهذا أشكر ربّي على كلّ يوم جديد أعطاني إيّاه، وأشكره على كلّ نفَس أتنفّسه، خاصّة في زمن كورونا، حين أيقنتُ أهمّية هذا الأمر». وتُواصل حديثها: «وأشكره على نعمة النظر والمشي، مع أنّ هناك الكثير من الأشخاص الذين يعتبرون أنّ هذه الحواس هي تحصيل حاصل، إنّما هذه ليست الحقيقة؛ فكم هناك من أشخاص يتمنّون لو أنّهم يرون، مع العلم أنّ بصيرتهم تكون أعمق. فأشكر الله على كلّ شيء. وعلى كلّ إنسان أن يتقبّل كلّ ما يحصل معه، حتّى يكون إنسانًا عن حقّ».

المزيد

وتُخْبِرُ: «المسيح لم يكن بعيدًا عمّا عرفناه في هذين الشهرين الأخيرين، فهو وُلدَ في مغارة فقيرة، وحين هرب إلى مصر مع العذراء والقدّيس يوسف كي لا يقتلوه، لم يكن الواقع آنذاك مختلفًا عن اليوم، وهذا يجعلنا نستمدّ القوّة، فالله قرّر أن يتجسّد لكي يعطينا مرآة حقيقيّة عن تاريخ الإنسانيّة؛ من المهمّ الرجوع إلى تاريخ الخلاص حتّى ندرك ماذا يريد الله من كلّ شخص منّا».

وتزيدُ: «بالنسبة إليّ، الفقر يُكَبِّرُ ولا يُصَغّرُ، وفي أحيان كثيرة التشرّد يُحرّر ولا يستعبد؛ وهنا أستشهد بأهل الجنوب، وكيف بادروا بعد وقف إطلاق النار مباشرةً للعودة إلى أراضيهم، فعزّة النفس والكرامة هما من الأمور التي لا تشترى ولا تُباع. فأطلب من الجميع أن يقوموا بقراءة مسيحيّة، حتّى يتمكّن السلام من أن يعود ويدخل بفرح عظيم، وكلّ الأمور الأخرى تتعوّض. فالمال والبيوت لا يصنعان الناس، والدليل عندما يهجر الناس بيوتهم، نرى كيف أنها تُصاب بالعَفَن». وتختِمُ الأخت سعد: «الحياةُ نفَس، ونفَسنا هو المسيح، لذا أدعو الناس ليتنفّسوا المسيح فيغمرهم الفرح والسلام».

الأخت د. مارانا سعد، مؤسّسة جوقة «فيلوكاليّا».
الأخت د. مارانا سعد، مؤسّسة جوقة «فيلوكاليّا».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته