البابا يوحنا بولس الثاني والحضور المريمي
في سياق متصل، تناول البابا يوحنا بولس الثاني التكريم المريمي في رسالة "أمّ الفادي" (25 آذار 1987)، مبرزًا اتّحاد الكنائس في محبّة مريم العذراء، فكتب ما يلي: "إنني أودّ أن أبرز إلى أيّ حدٍّ عميق تشعر الكنيسة الكاثوليكيّة والكنيسة الأرثوذكسيّة والكنائس الشرقيّة بأنها متّحدة في محبّة والدة الله ومديحها، لا لأن العقائد الأساسيّة للإيمان المسيحي بالثالوث وكلمة الله المتجسّد من العذراء مريم قد حُدّدت في المجامع المسكونيّة المعقودة في الشرق وحسب، بل لأن الشرقيين في عبادتهم الليتورجيّة، يكرّمون بأناشيد رائعة مريم العذراء الدائمة بتوليّتها وأمّ الله الفائقة القداسة"…
ولفت الأب الأقدس إلى أن المؤمنين يرون في مريم العذراء سندًا في الضيق، مردفًا: "ما برح المسيحيّون الشرقيّون، بثقة لا حدّ لها، يتوجّهون إلى أمّ الربّ، يكرّمونها بمدائحهم، ويدعونها بصلوات متّصلة. وفي الأوقات الصعبة من وجودهم المسيحي المعذّب، التجأوا إلى حمايتها، موقنين بأن لهم فيها سندًا كبيرًا.
وتطرّق البابا يوحنا بولس الثاني إلى التأمّل في حضور مريم في تاريخ الخلاص، مشدّدًا على تكريم القديسين لها: "الآباء اليونان والتقليد البيزنطي تأمّلوا العذراء على ضوء الكلمة الذي صار إنسانًا، واجتهدوا أن يسبروا عمق العلاقة التي تربط مريم، كونها أمّ الله، بالمسيح والكنيسة: إن للعذراء حضورًا مستمرًّا في تاريخ الخلاص بأسره.
ولجت التقاليد القبطيّة والحبشيّة هذا التأمّل في سرّ مريم، بفضل القديس كيرلس الإسكندري، فكرّمت، بدورها، هذا السرّ بأشعار زاهرة فيّاضة. ونظم مار أفرام السرياني الملقّب بكنّارة الروح القدس، بعبقريّته الشعريّة، أناشيد للعذراء، ولم يكلّ، فترك بصمته، حتى اليوم، على تقليد الكنيسة السريانيّة. وراح القديس غريغوريوس، يتعمّق في مختلف وجوه سرّ التجسّد، بإلهام شعريّ كبير، ويتّخذ من كل وجه مناسبة ليغنّي بمدح العذراء مريم أمّ الكلمة المتجسّد، ويعلن مقامها الفائق وجمالها العجيب.
إذًا، فلا عجب في أن تحتلّ مريم مكانة مميّزة في عبادة الكناس الشرقيّة العريقة، مصحوبة بفيضٍ لا نظير له من أعياد وأناشيد".