بيروت, الأربعاء 27 نوفمبر، 2024
الرابعة فجرًا بتوقيت بيروت. لم يبزغ الضوء بعد. زحمة خانقة في شوارع العاصمة اللبنانية وعند مداخلها. إنّه النزوح العكسيّ. هي العودة من مراكز الإيواء إلى البيوت أو ما تبقّى منها. اليوم، تنفّس اللبنانيون بعد شهرين من حربٍ رفضتها غالبيتهم جهارًا. تنفّست المناطق المسيحيّة التي طالتها شظايا قتال لا شأن لها فيه. تنفّست قرى الحدود المسيحيّة التي صمد سكّان بعضها، وفرَّغ القتال المحتدم بعضها الآخر ليستوطنها الخراب.
على غرار الرابع عشر من أغسطس/آب 2006، تاريخ انتهاء «حرب تموز» الشهيرة بين إسرائيل وحزب الله، أطلّ السابع والعشرون من نوفمبر/تشرين الثاني 2024. بين الحربَين لا تشابه سوى في النهاية، أما فاتورة لبنان فأكبر وأبهظ اليوم. بين ليلةٍ وضحاها تراكَم الحديث عن اختمار تسويةٍ عرّابتها الولايات المتحدة الأميركيّة بدعم فرنسيّ تُنهي القتال الدائر بين حزب الله وإسرائيل. ارتضى الفريقان... وقّعا على اتفاق يضمن وقف إطلاق النار ويُطبَّق تدريجيًّا على امتداد 60 يومًا يتخلّلها انتشار الجيش اللبناني على الحدود الجنوبيّة مع مراقبة دوليّة مشدّدة.
إسقاط سرديّة «الانتصار»
حلّ صباح الأربعاء المثلِج على جبال لبنان مثلِجًا قلوب معظم أبنائه، وكلّ مسيحيّيه على اختلاف مشاربهم وتحالفاتهم. توحّد التموضُع –بحدّة متفاوتة وأشكال مختلفة- من الحرب المفروضة على الوطن. انضوى مسيحيّو البلاد تحت عباءة الصرح البطريركي المارونيّ. من بكركي، في كلّ زمان ومناسبة، رفع الكاردينال بشارة بطرس الراعي والمطارنة الموارنة الصوت رافضين زجّ لبنان في هذه الحرب العبثيّة، وداعين إلى الحلّ الدبلوماسي لاستعادة السلام. يعرف المسيحيون تحديدًا قيمة «السلام»، هم الذين افتقدوه عقودًا في اقتتالٍ أهليّ انتهى في الميدان ولم ينتهِ في النفوس والسلوك السياسي.