لبنان يستذكر استقلاله وسط الحرب... ورسائل بطريركيّة متعدّدة الاتّجاهات

لبنان يستذكر استقلاله وسط الحرب والدمار لبنان يستذكر استقلاله وسط الحرب والدمار | مصدر الصورة: Melnikov Dmitriy/Shutterstock

بغصّةٍ يخترقها الأمل، استذكر لبنان استقلاله اليوم. بدت كلمة «احتفال» ثقيلة على ألسنة اللبنانيين الغارقين في حرب مستمرّة منذ شهرَين. بقهرٍ محفوفٍ برجاءٍ لا ينضب، صلّى مسيحيّو البلاد، كنيسةً وقادةً وشعبًا، من أجل استعادة سلامٍ ما هنئت به بلاد الأرز يومًا.

منقوصًا كعادته، حلّ الثاني والعشرون من نوفمبر/تشرين الثاني على لبنان. جملة عناصر تضافرت لتضمّ هذا الاستقلال إلى قائمة المحطات الأسوأ في تاريخ البلاد. حربٌ مفروضة بلا أفق، وشغور رئاسيّ متمادٍ، وأزمة اقتصاديّة مستشرية، وقرار سلامٍ مخطوف من حضن الدولة... هذه كلّها ترسم ملامح قلق مسيحيّ على المصير.

قلق تحاول الكنيسة جاهدةً تبديده من خلال تموضعها الصريح ضدّ إغراق البلاد في ما لا تُحمَد عقباه. ومن قلب الوجع، ما غابت الكلمات البطريركيّة في عيد الاستقلال. كلمات ضجّت بمزيج من الحسرة والإيمان، مع رسائل سياسيّة متعدّدة الاتجاهات.

الراعي يلقي كلمةً بمناسبة عيد الاستقلال. مصدر الصورة: البطريركيّة المارونيّة
الراعي يلقي كلمةً بمناسبة عيد الاستقلال. مصدر الصورة: البطريركيّة المارونيّة

الراعي: مهد الحوار بفضل حياده الإيجابيّ

قال البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي في كلمته بمناسبة عيد الاستقلال: «في القلب غصّة على ما يصيب لبنان من ويلات الحرب والطغيان، توازيها غصّة أخرى على غياب رأس الدولة للسنة الثالثة والإمعانِ في استغيابه واستمرارِ الفوضى في ممارسة السلطة وعمل المؤسسات. إنّنا نسأل الله الرجاء والسلام للبنان، وتوحيد إرادة اللبنانيين الوطنية وإيمانهم بوطنهم. فتوحيد إرادتهم وسيلة فعّالة لمواجهة المأساة الوطنية التي نعيشها، مأساة القتل والحرب والتدمير والتشرّد والنزوح».

وأكّد أنّ «لبنان المستقل هو لبنان الواحد الموحّد على رسالة حضارية إنسانية، تؤكد أنّه مختبر لقاء الثقافات والأديان، ومكان الحوار الإنساني الواسع، بفضل حياده الإيجابيّ الناشط. لم يكن لبنان يومًا إلّا كذلك، وعلى اللبنانيين جميعًا التمسك بهذه الخصوصية التي ميّزتهم وميّزت وطنهم على مستوى المنطقة والعالم. إنّهم مدعوّون إلى تجديد ثقتهم بهذا الوطن الفريد، وبعضهم ببعض مهما اختلفت الآراء والتباينات السياسية والطائفية».

وشدّد الراعي على أنّ «مناسبة الاستقلال محطة للتأكيد أنّ اللبنانيين أقوى من جميع الحروب، وأنّهم أكثر تجذّرًا بأرضهم وأكثر رسوخًا وتعلّقًا بوطنهم، وأكثر تمسكًا بوحدتهم ضمانة مستقبلهم». وختم: «إننا نصلّي كي تزهر دماء الشهداء استقلالًا حقيقيًّا ناجزًا تحصّنه دولة القانون والمؤسسات، على رأسها رئيس للجمهورية يعمل على تعميق الوحدة وإعادة الإعمار واستعادة الثقة الداخلية والخارجية وإطلاق ورشة الإصلاح والنهوض. ونسأل الله أن يزرع في نفوس اللبنانيين روح الرجاء والأمل وإرادة التضامن والوحدة».

البطريرك ميناسيان. مصدر الصورة: بطريركيّة الأرمن الكاثوليك
البطريرك ميناسيان. مصدر الصورة: بطريركيّة الأرمن الكاثوليك

ميناسيان: جرح مفتوح في قلب الوطن

من جهته، قال بطريرك الأرمن الكاثوليك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان في رسالة الاستقلال: «هذا الاستقلال يمرّ علينا في وطن معذّب، مجروح ومتألم، عانى وما زال يعاني آثار الحروب التي دمّرت بنيته، وأثقلت كاهل أبنائه. نزيف المعارك يترك أثره في قلوبنا وشوارعنا... في هذه اللحظة، نحتاج إلى تجديد العزم والإرادة لنعيد بناء الوطن من ركام الألم، ونضع نصب أعيننا رسالة السلام والمصالحة التي ستقودنا إلى مستقبلٍ مشرق».

وأردف: «هذه الجراحات تستصرخ ضمائرنا وتدعونا جميعًا، مواطنين وقادة، إلى الوقوف صفًّا واحدًا لإيقاف هذا النزيف، وتضميد جراح الوطن عبر المصالحة وبناء أسس الوحدة الحقيقية. فلا يمكن أن يستعاد الاستقلال بمعناه العميق، إذا استمر شبح الحرب والانقسام يخيّم في سمائنا».

وأكّد ميناسيان أنّ «غياب رئيس للجمهورية جرح مفتوح في قلب الوطن، وعقبة كبيرة أمام مسيرتنا نحو الاستقرار والازدهار». وأشار إلى أنّ «انتخاب الرئيس ليس مجرد استحقاق دستوري، بل هو مسؤولية جماعية تقع على عاتق كلّ من يدرك أهمية إعادة بناء مؤسسات الدولة وتثبيت الاستقرار». وختم ميناسيان: «نرفع اليوم صلواتنا إلى الله كي يوحّد القلوب والعقول، ويعيد إلى لبنان مجده واستقلاله الكامل، ليكون وطنًا يسوده السلام ويعمّه العدل وتظلّله المحبة».

يُذكَر أنّ لبنان نال استقلاله عن الانتداب الفرنسي عام 1943، ولم يُنجَز كلّيًّا قبل جلاء القوات الفرنسية عام 1946.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته