البابا يوحنّا بولس الثاني ولبنان… حبٌّ كبير وزيارة تاريخيّة

شغلَ لبنان مكانةً خاصّة في قلب البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني شغلَ لبنان مكانةً خاصّة في قلب البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني | مصدر الصورة: Stefano Moraschini/Pinterest-EDDY Bittar/Shutterstock

شغلَ لبنان مكانةً خاصّة في قلب البابا القديس يوحنا بولس الثاني. اليوم، وبمناسبة تذكاره يطلّ د. ناجي قزيلي، خبير في شؤون الكرسيّ الرسوليّ وأستاذ محاضر في جامعة الروح القدس الكسليك والجامعة الأنطونيّة-لبنان عبر «آسي مينا»، ليُخبرنا عن سرّ الحبّ الكبير الذي أظهره هذا البابا القدّيس للبنان، وعن حلمه القديم بزيارته. كما نستعيد معه أبرز الذكريات من رحلته التاريخيّة إلى بلد الأرز عام 1997.

ينطلق قزيلي: «حَلمَ البابا يوحنا بولس الثاني بزيارة لبنان منذ عُيِّنَ كاردينالًا على كراكوف-بولندا. وقد حكى له عن لبنان المونسنيور روبير الذي كان له موقعه في الكرسيّ الرسوليّ يومها، في حبريّة البابا بولس السادس؛ فقال له: "لبنان يتمتّع بصيغة فريدة، هو بلد مزدهر في الشرق الأوسط، ويعيش فيه المسيحيون والمسلمون بتآخٍ"». ويُضيفُ: «في مطلع العام 1975 حُدِّد موعدٌ لزيارته لبنان بصفته كاردينالًا ورئيس أساقفة كراكوف، ولكنّ اندلاع الحرب في 13 أبريل/نيسان عام 1975 أدّى إلى إلغائها».

ناجي قزيلي. مصدر الصورة: ناجي قزيلي
ناجي قزيلي. مصدر الصورة: ناجي قزيلي

ويكشِفُ قزيلي: «حين اِنْتُخِبَ حبرًا أعظم في 16 أكتوبر/تشرين الأوّل عام 1978، وفي أوّل كلمة له للعالم، لم يذكُر أيّ بلد غير لبنان وبولندا، وورد لبنان على لسانه أوّلًا وأكثر من أرضه الأمّ، قائلًا: "هذه الأرض الحبيبة التي يجب أن نعمل جميعًا لعودة السلام إليها"، إذ كان لبنان وقتها يشهد حربًا».

ويُتابِعُ: «وفي اليوم التالي لانتخابه، التقى البطريرك أنطون بطرس خريش ورئيس جمهوريّة لبنان آنذاك الياس سركيس، وقال لهما: "أنوي زيارة لبنان من أجل الإسهام في إعادة السلام إليه". وقد ذكر لبنان في خلال حبريّته الطويلة التي دامت سبعة وعشرين عامًا، أكثر من ثلاثمئة وثلاث وثلاثين مرّة، ورد ضمن نصوص كاملة عنه».

ويُخبر قزيلي: «اكتشفتُ رؤية هذا البابا المتكاملة عن لبنان؛ فأوّل كلمة قالها عنه: "الأرض الحبيبة"، وبعدها شرح أنّه "أرض بيبليّة"، ولم يتطرّق أحد لهذا الأمر من قبل. تكلّم على لبنان أوّلًا كأرض، ومن ثمّ تحدّث عنه كقيمة حضاريّة، له ثقافته وهويّته وتاريخه». ويردِفُ: «كان يرجع بلبنان إلى العهد الفينيقيّ؛ فحين وجّه رسالة إلى المسيحيّين والمسلمين في مطلع مايو/أيّار عام 1984، قال لهم: "تذكَّروا أنّ الإنسانيّة بأسرها مدينة لكم منذ عهد الفينيقيِّين"». ومن ثمّ نظر إلى لبنان كدولة ووطن بحدّ ذاته».

ويكشِفُ قزيلي: «في زمن الحرب ولأكثر من مرّة، أُعِدَّ لرحلة البابا إلى لبنان ولكنّ الظروف لم تكن تسمح بإتمامها. ولمّا حُدِّدَت زيارته في عيد الميلاد عام 1982، عرف لبنان حينها صيفًا مليئًا بالأحداث الأليمة، وبسبب حرب الجبل أجِّلت مجدّدًا».

ويواصل حديثه: «ولمّا أعلن البابا عن حضوره إلى لبنان في صيف 1989، وكانت الحرب حينذاك في أوجها، وصف بعضهم برنامجه بالمجنون، لأنّه قرّرَ الحضور بطائرة إلى قبرص، على أن تتولّى القوات الدوليّة نقله بطائرة لينزل في القصر الجمهوريّ، ويحتفل بعدها على خطوط التماس بالقدّاس في المتحف؛ فأبلغ الأميركيّون الكرسيّ الرسوليّ بأنّ سلامة الحبر الأعظم غير مضمونة».

ويُكمِلُ قزيلي: «نتذكّر أيضًا برنامجه الذي وضِعَ عام 1994 لزيارة لبنان برمّته، إلّا أنّ انفجار كنيسة سيّدة النجاة دفع إلى إلغائه. وفي العام 1991، دعا البابا رسميًّا الكنيسة الجامعة لانعقاد السينودس الخاصّ لأجل لبنان، وهذه كانت المرّة الأولى والأخيرة التي عُقِد فيها السينودس من أجل بلد صغير بالكاد يظهر على الخريطة الدوليّة».

ويُضيف: «وفي مايو/أيّار عام 1997، حضر البابا يوحنّا بولس الثاني إلى لبنان، ووقّع مقرّرات هذا السينودس في بازيليك سيّدة حريصا بحضور الشبيبة، قائلًا: "الكنيسة الجامعة تعطيكم هذه الوديعة لكي تحافظوا على لبنان"». ويُخبِر قزيلي: «في لحظتها، كسَرَ الأب الأقدس القواعد وخرج وسط الشبيبة وخاطبها قائلًا: "ما هذا الأفق الجميل!"».

ويختم قزيلي: «في خلال احتفال البابا يوحنّا بولس الثاني بأكبر قدّاس عرفه بلد الأرز في تاريخه، قال: "لبنان أرض بيبليّة، طوبى لكم لأنّ البشرى لم تتلقّوها من الرسل، بل سمعها أجدادكم مباشرة من فم المسيح. ولمّا وطئ يسوع أرضكم، نظر إلى جبالكم، وسحر بجمال وطنكم، فكونوا أمناء لهذا الأمر"».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته