نظّمت اللجنة الأسقفية للحياة المكرَّسة في سوريا بين السابع والعاشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري «مؤتمر المكرَّسين والمكرَّسات» في بلدة المشتاية، ريف حمص. وقد حمل المؤتمر عنوان «معًا نحو العمق».
استُهلّ المؤتمر بالقداس الافتتاحي الذي ترأسه رئيس طائفة اللاتين في سوريا ورئيس اللجنة الأسقفية للحياة المكرَّسة المطران حنّا جلّوف. تلته كلمة للسفير البابوي في سوريا الكاردينال ماريو زيناري ألقاها القائم بأعمال السفارة المونسنيور فيكتور هوغو. وقد ذكّر زيناري المشاركين بتشجيع البابا فرنسيس على أن تكون الكنيسة في حالة خروج، أشبه بمستشفى مفتوح. ودعا زيناري إلى إعلان الرجاء الذي بات يميل نحو الانطفاء في قلوب كثيرين.
بدوره، شدّد جلّوف على واجب المكرَّس الأول وهو أن ينمّي نعمته واتحاده بالمسيح فيكون عمله رسوليًّا مثمرًا، وأن يجد الفرح (النابع من قلب ممتنّ) في دعوته وينشره بين الناس على الدوام.
تميز المؤتمر بحضور عدد من المحاضرين المتخصّصين الذين تطرقوا إلى مستجدات العصر. وهو ما نبّه إليه الأب فراس لطفي الفرنسيسكاني في محاضرته، إذ أشار إلى سرعة التغيير في عالم يتسم بالعزلة والجنوح الهائل نحو حياة افتراضية اختزلت الواقع الإنساني المعقّد (النفسي والقيمي والروحي). وأكّد ضرورة إحداث تجديد حقيقي يلامس جميع جوانب حياة المكرَّس مع وعيه بما هو ثابت ومتغير في فكرة التجديد هذه.
من جهته، دقّ الأب رامي إلياس اليسوعي ناقوس الخطر عندما تناول موضوع «تحديات الحياة المكرَّسة والسينودس»، أولًا من حيث تناقص عدد الرهبانيات والمؤدي إلى شيخوخة الأعضاء، وبالتالي إلى نقص في الحيوية والإبداع والخوف من الاضطلاع بمبادرات جديدة؛ وثانيًا من حيث عدم الملاءمة، أي عدم اعتبار الحياة الرهبانية خيارًا حياتيًّا له معنى. ومع ذلك رأى إلياس أنّ هذه التحديات تشكّل فرصًا، داعيًا إلى تعاون بين الرهبانيات من جهة وبين الرهبانيات والعلمانيين من جهة أخرى. كما تحدث عن العلاقة الوطيدة بين المكرَّس والسينودس.
وألقت الأخت ماري روز البركيل من رهبانية قلبَي يسوع ومريم الأقدسين محاضرة مهمة عن «الحماية والصون» للأطفال. وتساءلت: هل سياسات حماية القاصرين والمستضعفين تندرج في خطط حياتنا المكرَّسة؟ وأشارت إلى أنّ هذه المفاهيم باتت ضرورة ملحّة في العمل الإنساني والتنموي، ويشجع عليها الفاتيكان خصوصًا في الأعوام العشرة الأخيرة.
وفي سياق مشابه، قدّم الأخ روبير شلحت (فوكولاري عمل مريم) في محاضرته مبادئ توجيهية تتعلق بكيفية بناء مشروع راعوي-اجتماعي. وشدّد على أنّ تحقيق العدالة الاجتماعية والحفاظ على كرامة الإنسان والاهتمام بشكل خاص بالفقراء هي ما يميز رسالة الإنجيل.
كما ألقى المطران جورج خوام (روم كاثوليك) محاضرة بعنوان «دعوة التكرّس في رحاب الكتاب المقدّس» أوضح فيها معنى التكرّس لخدمة الكلمة في وسط شعب الله، من خلال تناوله عددًا من الشخصيات الكتابية في العهدَين القديم والجديد.
أما الأخ المريمي جورج سبع فتحدث عن الذكاء الاصطناعي وضرورة التعرف إليه وإحداث عملية توازن في التعامل معه، على صعيد الاستفادة من جميع الإمكانيات التي يقدمها لنا في سبيل نشر إيماننا بيسوع، مع تجنّب سلبياته خصوصًا في الشق الأخلاقي.
أكّد النائب الرسولي ومطران اللاتين في سوريا حنا جلوف أنّ «لكلّ شخص قصته الفريدة، والربّ يكشف دعوته له بسُبُل عدة وبأشكال متنوعة. لكنّ الأهم ما يتحرّك في قلب الإنسان، والتحوّل الذي يجري في قلبه يجعله مكرّسًا ومميزًا لصوت الربّ عن باقي الأصوات».
كانت الكنائس الشرقية، ذات التراث السرياني بشكل خاصّ، سبّاقة تاريخيًّا بإشراك العلمانيين في حياتها اليوميّة. لكن مع تسلّم الإكليروس تباعًا أغلبية المسؤوليّات الكنسيّة، تقلّص دور العلمانيّين فيها.
لأنّ المكرّس هو علامة الله المضيئة في مختلف مجالات الحياة، والخميرة لنموّ مجتمع أكثر عدالة وأخوّة، تُنظم اللجنة الأسقفية للحياة المكرّسة في سوريا مساء اليوم الخميس لقاءً للمكرّسين والمكرّسات في بلدة المشتاية، ريف حمص. يمتدّ اللقاء على ثلاثة أيام، ويحمل عنوان: «كونوا في الرجاء فرحين، وفي الشدّة صابرين، وعلى الصلاة مواظبين» (رو 12:12).