بين هدوء بيروت وصخب الجنوب... الكنيسة تواصِل حراكها

هدوء متقطِّع حذِر يخيّم على العاصمة اللبنانيّة منذ يومَين هدوء متقطِّع حذِر يخيّم على العاصمة اللبنانيّة منذ يومَين | مصدر الصورة: Erich Karnberger/Shutterstock

هدوء متقطِّع حذِر يخيّم على العاصمة اللبنانية منذ يومَين تحديدًا. لليلتَين متتاليتَين تمكّن سكّان بيروت وساحل جبل لبنان من النوم قليلًا بعدما حُرموا إيّاه طوال الأسبوعَين الفائتَين بسبب سلسلة غارات عنيفة على الضاحية الجنوبيّة لبيروت. ومع تراجع وتيرة القصف ومنسوب عنفه، تتقدّم وتيرة الحراك الكنسيّ للدفع باتّجاه حلٍّ يُنهي دوّامة القتل ويعيد إلى بلد القدّيسين السلام والطمأنينة.

لا تشبه حال بيروت في اليومين الماضيين حال الجنوب. فالأخير ما زال واقعًا تحت قصف إسرائيليّ جوّي ومدفعيّ ومعارك برّية تحتدم، ومنه تُطلَق صواريخ حزب الله باتجاه الداخل الإسرائيلي. وقبل ساعات، ضربت بلدة دردغيا (قضاء صور، جنوبيّ لبنان) موعدًا مع مأساة جديدة. فكانت كنيسة مار جرجس الكاثوليكية ضحيّة استهداف مركزٍ للدفاع المدنيّ مستحدثٍ بمحاذاتها، ما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منها وسقوط عددٍ من عناصر الدفاع المدني من بينهم عنصر مسيحيّ يُدعى جوزيف البدوي. علمًا أنّ البلدة مختلطة طائفيًّا (من مسيحيين ومسلمين) ونزح معظم أهلها، وهي من القرى الجنوبيّة التي وصل إلى سكّانها أخيرًا تحذير إسرائيلي بضرورة مغادرتها.

من آثار الدمار في كنيسة بلدة دردغيا-قضاء صور، جنوبيّ لبنان. مصدر الصورة: مجموعة بلدة دردغيا في فيسبوك
من آثار الدمار في كنيسة بلدة دردغيا-قضاء صور، جنوبيّ لبنان. مصدر الصورة: مجموعة بلدة دردغيا في فيسبوك

هذا المشهد الجنوبيّ المحتدم، خطف الأنظار من العاصمة فأخذت وجوارها استراحة نسبيّة. استراحة مترافقة مع غاراتٍ متقطّعة يسبقها تحذير لأهالي بعض المباني في عمق الضاحية الجنوبيّة التي باتت شبه فارغة من قاطنيها. في هذا الوقت، لا تغيب المسيّرات عن سماء العاصمة طوال اليوم، فيشعر بها سكّان بيروت والمتن الساحلي تحوم فوق رؤوسهم بلا توقّف.

لقاء الكنيستَين

في ظلّ هذا الهدوء غير المضمون واستمرار الحياة على طبيعتها في معظم مناطق جبل لبنان والشمال، تتواصل المساعي الكنسيّة داخليًّا وخارجيًّا في سبيل إرساء حلٍّ يضع حدًّا لحربٍ يرفضها المسيحيون على اختلاف انتماءاتهم السياسية. في بكركي، جمعت الأحداث الراهنة الكنيستَين المارونية والأرثوذكسية. لقاء بين البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي وبطريرك الروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي كان التصعيد العسكريّ محوره وجوهره.

وإلى الكنيستَين المارونية والأرثوذكسية، انضمّت كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك بحراكها في الخارج كما في الداخل. لقاء حارّ بين رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران إبراهيم مخايل إبراهيم ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في العاصمة الكندية أوتاوا. من هناك، أكّد إبراهيم أنّ «لبنان يمر بمنعطف خطير يستدعي استجابة دولية عاجلة»، مشدّدًا على «ضرورة تكثيف الجهود الدولية لدعم وحدة لبنان وسيادته وسلامة أراضيه».

وقبل إبراهيم، كان راعي أبرشية مار مارون في كندا المطران بول-مروان تابت، قد وجّه رسالةً عاجلةً إلى ترودو حضّ فيها كندا على التدخّل لاستعادة السلام في لبنان و«الدعوة إلى ضبط النفس إلى أقصى حدّ، وخفض ‏التصعيد والالتزام بالقانون الدولي، لأنّ حماية المدنيّين أمر بالغ الأهميّة».‏

لقاء بين الراعي ويازجي في بكركي، لبنان. مصدر الصورة: البطريركيّة المارونيّة
لقاء بين الراعي ويازجي في بكركي، لبنان. مصدر الصورة: البطريركيّة المارونيّة

مؤتمر باريس والترحيب المسيحيّ

في سياق متّصل، وعلى خطّ الجهود الدوليّة سياسيًّا وإنسانيًّا، تتحرّك فرنسا. ففي الرابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الجاري تحتضن باريس مؤتمرًا دوليًّا مخصّصًا للبنان دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وبحسب بيان لوزارة الخارجية الفرنسية، يهدف المؤتمر إلى «حضّ المجتمع الدولي على الاستجابة لحاجات الحماية والإغاثة الطارئة لشعب لبنان، وتحديد سُبل دعم المؤسسات اللبنانية، لا سيما القوات المسلحة اللبنانية الضامنة للاستقرار الداخلي في البلاد». وقد لاقت هذه الدعوة ترحيبًا واسعًا في الأوساط المسيحيّة اللبنانيّة. تلك الأوساط التي تنظر إلى فرنسا على أنّها الداعم الغربيّ الأول للبنان في جميع محنه؛ وما مؤتمرات باريس المتتالية في عزّ الأزمات وعلى امتداد السنوات سوى خير دليل.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته