عامٌ على حرب غزّة… المسيحيّون يتمسّكون بالرجاء والكنيسة تدعم صمودهم

بطريرك القدس للاتين بييرباتيستا بيتسابالا يزور رعيّة العائلة المقدّسة في غزّة في 16 مايو/أيّار الماضي بطريرك القدس للاتين بييرباتيستا بيتسابالا يزور رعيّة العائلة المقدّسة في غزّة في 16 مايو/أيّار الماضي | مصدر الصورة: البطريركيّة اللاتينيّة-القدس

دمارٌ وأنينٌ ودويّ عنف... مشهد اعتادته الأراضي المقدسة وتحديدًا غزة يُنهي عامه الأول اليوم من دون حلٍّ يلوح في الأفق. مشهد يُنذر بتصعيد ويحمل في طياته تهديدًا بحربٍ إقليميةٍ ستؤثر على العالم أجمع. على وقع تتابُع النكبات، تتمسّك الكنيسة بالرجاء لتعلن السابع من أكتوبر/تشرين الأول، تاريخ الشرارة الأولى للحرب المدمِّرة، يوم صلاةٍ وصومٍ وتوبة.

هي دعوةٌ وجّهتها البطريركية اللاتينية في القدس لاستذكار أحداث غيَّرت جميع المعادلات على امتداد الأشهر الاثني عشر الماضية، وأثّرت «تأثيرًا عميقًا في الضمير والحسّ الإنساني»، كما جاء في بيان البطريركية.

من رعيّة العائلة المقدّسة للاتين في غزّة. مصدر الصورة: البطريركيّة اللاتينيّة-القدس
من رعيّة العائلة المقدّسة للاتين في غزّة. مصدر الصورة: البطريركيّة اللاتينيّة-القدس

وعن أثر الحرب تحديدًا على مسيحيي الأراضي المقدّسة بعد عامٍ كامل على اندلاعها، تحدث المطران وليم شوملي، النائب البطريركي في القدس وفلسطين عبر «آسي مينا». فقال إنّ «عدد المسيحيين داخل قطاع غزة تقلّص إلى أكثر من النصف، فيما لم يستطع كثيرون منهم الخروج بسبب تدمير المعابر وإغلاقها. أما في الضفة الغربية، فآثرت مئات العائلات المسيحية الهجرة بلا عودة وسط شلل الحياة الاقتصادية وصعوبة التنقل بسبب الحواجز العسكرية ومنع التصاريح، بالإضافة إلى العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية وسط غياب الأفق السياسي».

ويضيف: «وصلت الحرب إلى داخل بيوتنا، أثّرت على حياة عائلاتنا، وجعلت أيامنا قاتمة؛ لا فرح ولا حياة. في هذه الحرب عجز الجميع عن الحفاظ على كرامة الإنسان، لكن حيث يعجز البشر، لا تعجز القدرة الإلهية».

من رعيّة العائلة المقدّسة للاتين في غزّة. مصدر الصورة: البطريركيّة اللاتينيّة-القدس
من رعيّة العائلة المقدّسة للاتين في غزّة. مصدر الصورة: البطريركيّة اللاتينيّة-القدس

ويؤكد شوملي أنّ من أكثر الأسباب المباشرة التي صعّبت حياة المسيحيين، بخاصة من يعملون في المجال السياحي، غياب الحجّاج عن الأراضي المقدسة لمدة عامٍ كاملٍ. فمعظم المسيحيين في القدس وجنوب الضفة الغربية كانوا يعتمدون اعتمادًا مباشرًا أو غير مباشر على الحجّاج، وهو الأمر الذي كان يعزز الحضور المسيحي في تلك المناطق.

ويوضح شوملي أنّ الكنيسة تجدد دعوتها إلى وقف الحرب فورًا وإيجاد الحلول السياسية التي تضمن العدل والكرامة وتحقيق مبدأ حل الدولتين. ويشدّد على استمرار دعم الكنيسة للمسيحيين بشكلٍ مباشرٍ ولجميع مؤسساتها التي تخدم المجتمع الفلسطيني بمختلف أطيافه.

من رعيّة العائلة المقدّسة للاتين في غزّة. مصدر الصورة: البطريركيّة اللاتينيّة-القدس
من رعيّة العائلة المقدّسة للاتين في غزّة. مصدر الصورة: البطريركيّة اللاتينيّة-القدس

سُبُل دعم مسيحيّي غزة

من جهته، يقول الوكيل العام للبطريركية اللاتينية سامي اليوسف لـ«آسي مينا» إنّ «ما يعانيه أهلنا في غزة لا يُطاق ولا يمكن تخيله. كلّ ما عملنا عليه منذ سنوات لتعزيز صمودهم في القطاع تدمّر في لمح البصر».

ويتابع: «منذ بداية الحرب، حاولنا توفير كلّ ما يلزم لدعم العائلات المسيحية التي جمعت نفسها في دير العائلة المقدسة للاتين وكنيسة القديس برفيريوس للروم الأرثوذكس، بالإضافة إلى كثيرين من سكان حي الزيتون حيث تقع الكنيستان. فقد أدخلت البطريركية اللاتينية بالتعاون مع جمعية فرسان مالطا أكثر من مئة طنّ من المواد الغذائية، بالإضافة إلى إنشاء عيادات طبّية متنقلة».

من رعيّة العائلة المقدّسة للاتين في غزّة. مصدر الصورة: البطريركيّة اللاتينيّة-القدس
من رعيّة العائلة المقدّسة للاتين في غزّة. مصدر الصورة: البطريركيّة اللاتينيّة-القدس

ويُردف اليوسف: «كما نسعى الآن إلى بناء مستشفى ميداني سيكون بالقرب من الكنيستين مع نهاية العام الحالي. كذلك عاد بعض الطلاب ليتعلّموا حصصًا استدراكية، مع حفاظ الكنيسة على دفع رواتب جميع الأساتذة والعاملين في مدرستَي البطريركية في غزة رغم إغلاقهما القسري».

ويستدرك اليوسف أنّ المشكلة لا تكمن في ضعف الدعم المادي للقطاع، إنّما في غياب الحلول السياسية والإنسانية. ويزيد: «قبل ثلاثة أسابيع من بداية الحرب على غزة، زرت القطاع، وهناك التقيت عددًا من مديري المدارس والمؤسسات المسيحية الذين كانوا يُعدّون قادة المجتمع المسيحي في غزة. اليوم، معظمهم تشرّد وبعضهم هاجر. فحتى لو استطعنا إعادة بناء مؤسساتنا مرة أخرى، من يعيد لنا الموارد البشرية؟».

من رعيّة العائلة المقدّسة للاتين في غزّة. مصدر الصورة: البطريركيّة اللاتينيّة-القدس
من رعيّة العائلة المقدّسة للاتين في غزّة. مصدر الصورة: البطريركيّة اللاتينيّة-القدس

تُطفِئ الحرب شمعتها الأولى، ومعها تُطفَأ حياة عشرات الآلاف ممّن خطف هذا العنف المتواصل حياتهم. ومع ذلك، يبقى الإيمان راسخًا في قلوب مسيحيّي تلك الأرض المقدّسة ولسان حال كلّ واحدٍ منهم: أنا واقفٌ على الجلجثة، فمتى القيامة؟

المزيد

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته