2- كتاب «مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة»، ويعتبر دائرة معارف كاملة متكاملة؛ يتكون من 24 بابا تشمل كل ما يتعلق بالديانة المسيحية من عقيدة وتاريخ وطقس، وقد ذُكر أن الرحالة الألماني فانسليب (1635ــ 1679) عندما كتب كتابه الشهير «تاريخ كنيسة الاسكندرية» عام 1677م اعتمد بشكل رئيسي كما ذكر هو بنفسه في مقدمة الكتاب على المعلومات التي وردت في كتاب ابن كبر، ويتضمن هذا السفر العظيم جملة قوانين الكنيسة والمجامع وأخبار الرسل والتلاميذ وقواعد دينية وطقسية وتاريخية وأدبية، وتعد من أهم وأكبر الموسوعات الدينية[15].
ويبرز تواضع ابن كبر الشديد في المقدمة التي وضعها في أول الكتاب إذ قال فيها:
«على أننى لست من العارفين بهذه الوظيفة ولا من القائمين ببعض حقوقها الشريفة؛ لكنني جمعت ذلك من الكتب المقبولة والفرائد المنقولة؛ والعرف المتداول في عصرنا والوضع المستعمل في مصرنا بحسب ما انتهت إليه القدرة واستوت عليه الفكرة؛ مستعينا بأبي الأنوار ومنير البصائر والأبصار؛ وأنا أتضرع إلى كل من تأمله أن يسد خلله ويتدارك زللـه؛ ويصلح ما لعله وقع فيه من السهو والتقصير واعترضه التقديم والتأخير؛ فليس يخلو من ذلك الماهر الفاضل والعالم والعامل والمحصل الكامل؛ فكيف من هو عرى من هذه الخلل؛ خلى من العلم والعمل؛ مليء بالخطأ والزلل».[16]
وتوجد نسخة من هذا الكتاب محفوظة في مكتبة الفاتيكان بروما مخطوط (623 عربي) يرجع تاريخها إلى 1333م؛ ونسخة في المتحف القبطي بالقاهرة؛ وأقدم مخطوط معروف لهذا الكتاب حتى الآن هو (203 عربي) بالمكتبة الأهلية بباريس، وهو منسوخ في حبرية الأنبا يؤانس العاشر، البطريرك الخامس والثمانين (1363 - 1369م)، وقد كانت الكنائس مغلقة لمدة 7 سنوات في حبرية البابا يؤانس الثامن فكانت هذه الموسوعة الطقسية كنز لحفظ الطقس؛ وأخيرا نسخة في دير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر؛ ويوجد للكتاب أيضاً مخطوطات: ((مخطوط (351 لاهوت) بالدار البطريركية - 1460ش - 1744م؛ مخطوط (375 لاهوت) بالمتحف القبطي (1649ش)(1932 - 33 م)؛ مخطوط (347 لاهوت) بالدار البطريركية - الجزء الثاني، يبدأ من الباب العاشر وينتهي بالأخير؛ مخطوط (358 لاهوت) بالدار البطريركية - ينتهي بالباب السابع؛ مخطوط (314 لاهوت) مكتبة الدار البطريركية؛ ، مخطوط (177 مقدسة) مكتبة الدار البطريركية – (الباب الثالث والعشرين من كتاب مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة) للقس شمس الرياسة ابو بركات المعروف بابن كبر ويشتمل أيضا حساب الأبقطى))[17].
3- معجم «السلم الكبير المقترح» معجم قبطي ــ عربي؛ وضعه عام 1324م في عشرة أبواب مقسمة إلى 30 فصلا؛ وترجم كل منها بالعربية الصحيحة. طبع في روما عام 1643م[18]، ونشر بالقبطية واللاتينية والعربية، ويعتبر من أنفس الكتب في القبطية. وله مخطوطات: (مخطوط (50 قبطي) بالمكتبة الأهلية بباريس، مخطوط (17 شرقيات) بمكتبة بودليان، مخطوط (8771 شرقيات) بالمتحف البريطاني)؛ النشرة الوحيدة الكاملة هي نشرة كِيرْشَر (٣٨-٢٧٢)، وهناك نشرات مستقلّة لأجزاء معيّنة. وقد نحى أبو البركات في عمله نحوًا ثالثًا مختلفًا، فقد قسّم السُلَّم إلى مواضيع في عدد من الأبواب بدءًا من الله، ويتشابه هذا المنهج مع منهج كُتُب تَعَلُّم اللغات الأجنبيّة، التي تجمع مجموعةً من الكلمات حول موضوعٍ معيّن، ومن هذه المواضيع يُرى أنّ المؤلُّف اطّلع على مصادر مختلفة بما فيها سير الشهداء لأنّه يورد بعض مصطلحات أدوات التعذيب. والكتاب مقسّم إلى عشرة أبواب، وعدد متتابع من الفصول. أفرد فصولا للكلمات المستعملة في كل موضوع أو مهنة؛ فجمع مثلا أدوات النجارة في فصل وأسماء الأنهار والجبال والتلال في فصل والحبوب والبقول والمزروعات في فصل.. إلخ. ومن النظر في أبواب الكتاب وفصوله نلاحظ جدّيّة العمل والمجهود الكبير الذي بُذِل فيه من تجميع الكلمات وترجمتها وتبويبها، ويمكن الاعتقاد أنّه اعتمد على السُلَّمَيْن السابقَيْن ولا سيّما سُلَّم المؤتمن[19].
4- كتاب مراث وخطب ورسائل ومكاتبات " وهو باللغة العربية يحوي 51 موضوعا طبع منها 23 موضوعا في (كتاب الجوهرة النفسية في خطب الكنيسة).[20]
5- كتاب جلاء العقول في علم الاصول: الملقب بكتاب كشف الاسرار الخفية في اسباب المسيحية، يتضمن 18 فصلا في المعتقدات المسيحية وحدانية الله تثليث أقانيمه والتجسد الإلهي (توجد نسخة بمكتبة الفاتيكان وأخرى بدمشق).[21]
6- رسالتين في الرد على اليهود والمسلمين.[22]
7- رسالة البيان الاظهر في الرد على من يقول بالقضاء والقدر.[23]
8- ألَّف أيضًا خطبًا تتلى في الكنائس والأعياد والمواسم[24].
9- وضع ابن كِبَر قائمة بأسماء المدن والقرى المصرية، وقد اعتبر تزييل لكتابه المعجم[25].
10- كما وضع فهرسًا خاصًا لجميع الكلمات العبرية التي اقتبسها القبط من أسفار العهد القديم، وقد اعتبر تزيل لكتابه المعجم[26].
11- المجموع المبارك وهو موجود بمخطوط (112 قبطي) (بورجيا) مكتبة الفاتيكان. وجده الراهب أثناسيوس المقاري في 21 يناير 2012م[27].
نياحته
لما وقع اضطهاد كبير في نهاية حياته على المسيحيين اختفى ابن كبر وقضى بقية ايامه في عزلة تامة في داره، ورتب مرتبه لنفسه عندما أحس بالضعف الشديد وقرب نهاية أجلة، حيث تنيح بسلام يوم 10 مايو 1324م في عهد البابا يؤانس التاسع ودفن على الأرجح في الكنيسة المعلقة[28].
لكن ذكره سيبقى إلى الأبد؛ وإن مات فهو لازال يتكلم بعد. في علمه وابحاثه واشعاره ومرثياته. ومعاجمه التي حوتها. مكتبات المعارف والمخطوطات. في الاديار والمتاحف العالمية، وهو قد سبق وذكر انه استعان بالله ابي الانوار ومنير الابصار والذي يصلح وحده الخطأ والزلل، فله وحده الكمال. وعندما شعر باعتلال صحته ودنو أجله؛ كتب مرثية لنفسه:
أموت ويبقي كل ما قد كتبته فياليت من يقرأ كتابي دعا ليا
لعل إلهي أن يجود بعفوه ويغفر زلاتي وقبح فعاليا[29]
ختاماً
ابن كبر كان ومازال منارة لكل الدارسين والباحثين عن الحقيقة المجردة في تراثنا القبطي العريق، اغنت كتاباته المكتبة القبطية العربية، فهو بالفعل رجل عصره والمدعو من الله ليكتب لنا ويترك لنا ميراثًا تتوارثه الأجيال، في ظل التيه الحاصل بين القيل والقال، حفظ لنا ما كتب سابقيه وأضاف وابدع بفعل الروح القدس الذي دعاه في وقته بعد كل الخبرات التي مر بها في عمله ونشاته، لان الله لا يترك نفسه بلا شاهد، والآن من خلال التعمق في شخصية ابن كبر وأعماله هو كان شاهد عصرة على اعمال الله وعظمة كنيسته.
[1] إبراهيم بن محمد بن أيدمر العلائي الشهير بابن دقماق، الانتصار لواسطة عقد الأمصار في تاريخ مصر وجغرافيتها، ج1 (بيروت: المكتب التجاري، بدون تاريخ)،25.
[2] شمس الرئاسة أبو البركات المعروف بابن كبر، مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة، الجزء الأوّل الأبواب ١-١٢ (المقدّمة بإمضاء الأب سمير خليل)، (القاهرة: مكتبة الكاروز، ١٩٧١).
[3] بيبرس البندقداري (1223 – 1277م) خطفه الخوارزميون وهو طفل واشتراه شخص يدعى " العماد الصايغ "، ثم بيع لأمير حماة "علاء الدين أيدكين" المعروف بالبندقدار، ثم أرسل إلى مصر حيث انضم لمماليك السلطان الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب، وفي عام 1250 كان من القوات الذين شاركوا في هزيمة الصليبيين في معركة المنصورة. في عام 1260 كان بيبرس قائد طليعة الجيش الذي هزم المغول في معركة عين جالوت. بعدما أصبح سلطاناً على مصر والشام في 1260م واصل جهاده ضد الصليبيين والمغول الذين ظلا يتربصا بالعالم الإسلامي ويهددانه، وهزمهما في عدة معارك عسكرية. وصفه المؤرخ ابن إياس بأنه " كان شجاعاً بطلاً "؛ بالإضافة إلى انتصاراته العسكرية وإعادته للخلافة العباسية في القاهرة عوضاً عن بغداد التي دمرها واحتلها المغول في سنة 1258م، وإعادته صلاة الجمعة إلى الجامع الأزهر بعد أن كانت قد أبطلت منذ عهد صلاح الدين الأيوبي، قام بيبرس بإصلاحات اجتماعية وإدارية عديدة في البلاد، بتصرف عن (المقريزي. كتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج3، الطبعة: الأولى (بيروت: دار الكتب العلمية، 1997)، 117.).
[4] هو خليل بن قلاوون الملقب بالسلطان الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون، وهو ابن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي، وُلد في القاهرة في عام 666 هـ/1267 م، جلس على تخت الملك في ذي القعدة سنة 689 هـ/ 1290م بعد موت والده، واستفتح الملك بالجهاد، اُغتيل في تروجة قرب الإسكندرية في 12 محرم 693هـ / 31 ديسمبر 1293م (بتصرف عن: أبو الفداء إسماعيل بن عمر ن كثير، البداية والنهاية. ج13. (القاهرة: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، 1997)، 378- 379.).
[5] تم بناؤها أواخر القرن الرابع وبداية القرن الخامس الميلادي، تقع الكنيسة داخل حي مصر القديمة، وتضم ثلاث عشر عمودًا عملاقًا يمثلون المسيح والرسل الاثني عشر، تُعتبر هذه الكنيسة هي أول مقر بابوي في القاهرة، وكانت تعقد بها كثير من الاحتفالات الدينية المسيحية الكبرى، و لعل ما تشتهر به تلك الكنيسة هي أيقونات الموزعة على جدرانها و التي تبلغ تسعون أيقونة، تعتبر الكنيسة المعلقة هي أقدم الكنائس المصرية التي لا تزال باقية في مصر، وسميت بهذا الاسم لأنها بنيت على برجين من الأبراج القديمة للحصن الروماني بابليون الذي بناه الإمبراطور تراجان في القرن الثاني الميلادي، أول من استخدمها كبطريركية البطريرك السادس عشر "خرستودلس" في القرن السابع بصفة غير رسمية، واستمر ذلك حتي القرن الثالث عشر، كما كانت تقام بها المحاكمات للكهنة والأساقفة، تم تجديد هذه الكنيسة عدة مرات خلال العصر الإسلامي وأول مرة كانت في خلافة هارون الرشيد حينما طلب البطريرك الانبا مرقس من الوالي الإذن بتجديد الكنيسة وثاني مرة في عهد عبدالعزيز بالله الفاطمي الذي سمح للبطريرك افرام السرياني بتجديد كافة كنائس مصر وإصلاح ما تهدم، أما المرة الثالثة فهي في عهد الظاهر لإعزاز دين الله .
تقع واجهة الكنيسة بالناحية الغربية على شارع ماري جرجس وهي من طابقين وتوجد امامها نافورة و قد بنيت بالطابع البازيليكي الشهير المكون من أجنحة وردهة أمامية وهيكل يتوزع على 3 أجزاء وهي مستطيلة الشكل و صغيرة نسيبًا فأبعادها 23.5 متر طولًا و 185 متر عرضًا و 95 متر ارتفاعًا، كما تحتوي على العديد من الهياكل و توجد الأحجبة الخشبية وأهمها الحجاب الأوسط المصنوع من الأبنوس المطعم بالعاج الشفاف, و يرجع إلى القرن الثاني عشر أو الثالث عشر ونُقش عليه بأشكال هندسية وصلبان جميلة وتعلوه أيقونات تصور السيد المسيح على العرش وعن يمينه مريم العذراء والملاك ميخائيل والقديس بولس , و أعلى المذبح بداخل هذا الهيكل توجد مظلة خشبية مرتكزة على أربعة أعمدة ومن خلفه منصة جلوس رجال الكهنوت، ثم استحدثت عملية ترميم الكنيسة المعلقة عام 1998. بتصرف عن (ألفريد ج. بتلر، ترجمة إبراهيم سلامة، الكنائس القبطية القديمة في مصر الجزء الأول (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2012) 206 – 209.
[6] ديرًا على اسم الشهيد مرقوريوس أبي سيفين، ويعرف الآن بدير الأنبا برسوم العريان. بتصرف عن (اللجنة المجمعية للطقوس، السنكسار - الجزء الأول (من توت إلى أمشير)، إصدار مكتبة دير السيدة العذراء السريان، 2012)، 181.).
[7] حبيب جرجس، الجوهرة النفيسة في خطب الكنيسة (القاهرة: مشروع الكنوز القبطية، 1914).
[8] ابن الإفرنجية. وتمت رسامته في 1293، من رهبان دير أبو فانا، وظل على الكرسي ست سنين ونصف، وتنيح في 1300م.
(يوساب أسقف فوه، تحقيق جمال محمد أبو زيد، تاريخ الكنيسة القبطية تاريخ الآباء البطاركة (القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 2018)،301.).
[9] تمت رسامته 1301م، اشتهرت أيامه بلبس الأقباط للعمائم الزرقاء، بأيام مملكة السلطان العادل محمد بن قلاون، أقام على الكرسي سنتان تقريبا، وتنيح 1320م. (المرجع السابق، 301 – 303.).
[10] النقادي، تمت رسامته 1320م، وظل لقرابة خمس سنوات وتنيح 1327م. (المرجع السابق، 303 – 304).
[11] السلطان ركن الدين بيبرس المنصور تم التعرف عليه في الحاشية رقم 3
[12] شمس الرئاسة أبو البركات المعروف بابن كبر، مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة، ج1 الأبواب ١-١٢ (المقدّمة بإمضاء الأب سمير خليل)، (القاهرة: مكتبة الكاروز، ١٩٧١).
[13] حبيب زيات، هل كان القس أبو البركات ابن كبر شاعراً أيضاً؟ (مجلة المشرق 35، 1937)، صـ 177-180.
[14] ابن كبر، مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة، (المقدّمة بإمضاء الأب سمير خليل)؛ إيريس حبيب المصري، قصة الكنيسة القبطية من 948 – 1518م، جـ3 ( الإسكندرية: مكتبة مارجرجس اسبورتينج، بدون تاريخ) ، 262.
[15] المرجع السابق.
[16] إيريس حبيب المصري، قصة الكنيسة القبطية، 263
[17] أثناسيوس المقاريّ، فهرس كتابات آباء كنيسة الاسكندريّة الكتابات العربيّة، ج 2 (القاهرة: مطابع نوبار، ٢٠١٢)، 735 – 746.
[18] وقد نشره الراهب "اليسوعى أثناسييوس كيرشر" مع ترجمة لاتينية ووضع فهارس له عام 1648.
[19] ابن كبر، مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة (مقدّمة الأب سمير خليل)؛ أثناسيوس المقاري، مؤتمر التراث العربي المسيحي العشرون (القاهرة: كلية اللاهوت الإنجيلية، 24-25 فبراير 2012)؛ أثناسيوس، فهرس الكتابات العربية، 750 – 753.
[20] ابن كبر، مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة (مقدّمة الأب سمير خليل)؛ أثناسيوس، فهرس الكتابات العربية، 747 – 749.
[21] إيريس حبيب المصري، قصة الكنيسة القبطية، جـ3، 262.
[22] المرجع السابق.
[23] المرجع السابق.
[24] المرجع السابق.
[25] المرجع السابق، 263.
[26] المرجع السابق
[27] أثناسيوس المقاري، مؤتمر التراث العربي المسيحي العشرون (القاهرة: كلية اللاهوت الإنجيلية، 24-25 فبراير 2012).
[28] بابن كبر، مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة (مقدّمة الأب سمير خليل).
[29] حبيب زيات، هل كان القس أبو البركات ابن كبر شاعراً أيضاً؟.180.
مراسل «آسي مينا» في مصر. حاصل على إجازة في العلوم الاجتماعيّة والأنثروبولوجيا وماجستير في إدارة الأعمال والصحّة النفسيّة وبكالوريوس في العلوم اللاهوتيّة.