الفنّان غدي الرحباني في شهادة إيمان: يا ربّ غَيّبتَ شمسك لا تغَيِّب رحمتك

الفنّان غدي الرحباني الفنّان غدي الرحباني | مصدر الصورة: غدي الرحباني

الفنّان غدي الرحباني، مؤلِّف موسيقي وشاعر ومنتج وقائد أوركسترا لبنانيّ. ترعرع في أحضان الفنّ والإبداع، وتشرّب الموسيقى منذ صغره في بيتٍ عريق. هو ابن منصور الرحباني وشقيق أسامة ومروان. لحّن ووزّع أعمالًا مسرحيّة عدة، كما كتب سيناريو مسرحيات أخرى وألّفها موسيقيًّا. يطلّ اليوم عبر «آسي مينا» ليُشاركنا اختباره النورانيّ الذي يحاكي الروح والوجدان.

ينطلق غدي: «تقريبًا في كلّ بيت شعر للأخوَين الرحباني ثمّة ذكرٌ الله؛ فهما قد تتلمذا على يد الأب بولس الأشقر في أنطلياس، فعلّمهما أوّلًا الليتورجيا المارونيّة، ومن ثمّ درَّسهما القواعد الموسيقيّة العربيّة. ودرس عاصي ومنصور في سنّ الشباب الموسيقى الغربيّة على يد الأستاذ برتران روبيار. وهكذا، عاشا الموسيقى الدينيّة».

من تحضيرات غدي الرحباني لأعمال فنّية. مصدر الصورة: غدي الرحباني
من تحضيرات غدي الرحباني لأعمال فنّية. مصدر الصورة: غدي الرحباني

ويردف: «وجود الله بالنسبة إليهما أمر أساسيّ، وقد برز حضوره في جميع أعمالهما المسرحيّة والغنائيّة؛ فنجد في أغنية "أومن"، المترجمة للأخوين الرحباني، صورة الله الخالق وغير المرئيّ، لكنّه حاضر في داخل كلّ إنسان. وفي ختام مسرحيّتهما "موسم العزّ"، قالا: "بعد الله اعْبَدي لبنان"».

ويضيف: «في مسرحيّة "جسر القمر" التي تدور أحداثها حول ضيعتَين تنازعتا على الماء، تظهر بنت مسحورة قائلةً: يوجد كنز في هذه الأرض، وبعدها يظهر الكنز وهو المحبّة بين الناس، والله محبّة. وقصّة مسرحيّتهما "الليل والقنديل" مبنيّة على فكرة النور، والله نور».

من تحضيرات غدي الرحباني لأعمال فنّية. مصدر الصورة: غدي الرحباني
من تحضيرات غدي الرحباني لأعمال فنّية. مصدر الصورة: غدي الرحباني

ويُتابع غدي: «أغنية "يا ساكن العالي" في مسرحيّة "أيّام فخر الدين"، نشعر وكأنّها ترنيمة. وكذلك أغنية "ساعدني يا نبع الينابيع" في مسرحيّة "جبال الصوّان". ونلمس في أغنية "عمِّر يا معلّم العمار" حضور الله، وهي مأخوذة تقريبًا من التراث السريانيّ... هذا النتاج كلّه وسواه وليد الخلفيّة المسيحيّة التي ترعرع عليها عاصي ومنصور».

ويكشِف غدي: «أنجز الأخوان الرحباني دراسة عن الصلاة في أغاني فيروز. ويُعدّان أوّل من دمج الأرثوذكسيّة بالكاثوليكيّة؛ ففي الأربعينيّات وضعا "كامل الأجيال" مع الرتبة، وهي: "إلهي لماذا تركتني". فكان حضور الله مواكبًا لهما. وفي نهاية كلّ عمل مسرحيّ لهما، وبعد إقفال الستارة، كنّا نجد العبارة نفسها: "انتهت بإذن الله"».

غدي وأسامة الرحباني. مصدر الصورة: غدي الرحباني
غدي وأسامة الرحباني. مصدر الصورة: غدي الرحباني

معالجة الصعوبات بالحكمة والمسؤوليّة

يؤكّد غدي: «الصعوبات في حياتنا أكثر من الأمور السهلة، وعلينا معالجتها بحكمة ودراية ومسؤوليّة. الإنسان ضعيف، فنحن تُرابيّون ولكنّنا قياميّون، نؤمن بالقيامة». ويُتابِعُ: «من السهل القول: "اتّكل على الله"، ولكنّ الأهمّ العمل. حين أُصلِّي أُفضّل الذهاب إلى كنيسة صغيرة، بعيدًا من الازدحام، وأحاور إلهي الذي أومن بأنّه محبّ ورحوم».

ويواصل: «المجد كلمة كبيرة، ولا أحد يبلغه، وأكبر شهادة لي تتحقّق في حال وصلت أعمالي إلى قلوب الناس وأحبّوها واستطاعت التغيير». ويتابع: «عندما أكتب أو أُلحِّن، أشكر الله على هذه النعمة التي لا يمكنني فعل شيء سواها، ولو أمكنني لربّما كنتُ طبيبًا أو محاميًا أو مهندسًا أو جنديًّا؛ فأنا لا أملك غير الكلمة، وهي تُغيّر والله الكلمة».

أسرة الفنّان غدي الرحباني. مصدر الصورة: غدي الرحباني
أسرة الفنّان غدي الرحباني. مصدر الصورة: غدي الرحباني

بين الدين والعلمانيّة

يقول غدي: «في كلّ صباح أشكر الربّ لأنَّني ما زلتُ حيًّا، رغم الأوجاع في الدول العربيّة وحتّى في العالم أجمع». ويُردف: «تُعدّ أوروبا أكبر بُؤرة للانهيار العائليّ والدينيّ. أنا لستُ مع الدول التي يحكم فيها الدين، ولكنّني لستُ أيضًا مع العلمانيّة التي لا تحترم الله وتُهشّمه بالفلسفة والإلحاد، هو من أحبّنا ومن لا شيء خلق الكون. فعلى الدين والعلمانيّة مواكبة بعضهما بعضًا».

ويزيد: «يحقّ للكنيسة أن تحكم في مكان واحد هو الفاتيكان حيث صلِبَ بطرس وكرّس المسيحيّة وانتصر على عبدة الأوثان. أنا لا أبني إيماني عبثًا، وعندما أطالع أطرح التساؤلات الوجوديّة، وبقدر ما يتملّكني الإيمان أحسّ بالشكّ».

عائلة منصور الرحباني يتوسّطها الشاعر سعيد عقل. مصدر الصورة: غدي الرحباني
عائلة منصور الرحباني يتوسّطها الشاعر سعيد عقل. مصدر الصورة: غدي الرحباني

المزيد

منصور المؤمن والمتسائل

عن خبرة والده الإيمانيّة يكشِفُ غدي: «كان منصور الرحباني شخصًا مُتَبَحّرًا في العلوم الدينيّة؛ فهو يعرف المسيحيّة واليهوديّة والإسلام. ومع جميع الأعمال التي أنجزها، كان يُخصّص وقتًا للمطالعة. كان مؤمنًا جدًّا ويخاف الله، وفي الوقت نفسه يطرح التساؤلات الوجوديّة».

ويُكمِلُ: «شغل الله والوطن والإنسان فكر الأخوين الرحباني، وتجسّد ذلك في أعمالهما المسرحيّة والغنائيّة. ولو كان منصور بيننا اليوم لمات مرّتين بعد رؤيته انهيار بلدنا والعالم، لأنّ الناس فقدوا الإيمان؛ فهو كان يردّد: إذا ظلّت المسيحيّة بهذا الشكل التطوّريّ البشع، فستكون في خطر».

ويَخْتِمُ غدي: «كلّ يوم، عندما أستيقظ أردّد العبارة التي كان والدي يقولها لي، وهو قد حفظها من جدّي حنّا: يا ربّ غيّبتَ شمسك لا تغيّب رحمتَك».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته