السفير فؤاد خوري يروي لحظات مؤثّرة جمعته بالأمّ تريزا: هديّة السماء لي

صورة تجمع السفير فؤاد خوري بالأمّ تريزا دي كالكوتا صورة تجمع السفير فؤاد خوري بالأمّ تريزا دي كالكوتا | مصدر الصورة: السفير فؤاد خوري

السفير فؤاد خوري، من كبار الدبلوماسيّين اللبنانيّين، وابن الشاعر أنيس خوري. عمل من أجل خدمة وطنه في المحافل الدوليّة، كما تميّز بإنسانيّته التي كانت محط أنظار العالم. يُطلّ اليوم عبر «آسي مينا» ليُشاركنا اختباره الحيّ مع صديقته القدّيسة الأمّ تريزا دي كالكوتا، المتوّج بمحبّة يسوع وخدمته للفقير والمتألّم.

ينطلق خوري: «في وزارة الخارجيّة، وبينما كنّا عشرين شابًّا جَالِسين نتحدّث، سُئلَ كلّ واحد منّا إلى أيّ بلد يريد السفر؛ فاختار ثمانية عشر دبلوماسيًّا باريس، واختار شخص واحد إيطاليا، أمّا أنا فقلت: أريد الذهاب إلى الهند التي لا يختارها أحدٌ في العالم».

ويضيفُ: «في اليوم التالي، ناداني أمين عام وزارة الخارجيّة وسألني: «هل أنت جادّ في موضوع الهند»؟ فأجَبْتُه: «نعم، فأنا لم ألجأ إلى وساطة أحد في حياتي، لكنّني مستعدّ للذهاب إلى الهند». فضحك ومضى. لم أكُنْ أعلم أنّ خلف إصراري هذا، توجد يد الله، كي أتعرّف إلى قدّيسة القرن».

خوري يعيش اختباره الإنسانيّ مع الأطفال المشرّدين في خلال مسيرته الدبلوماسيّة. مصدر الصورة: السفير فؤاد خوري
خوري يعيش اختباره الإنسانيّ مع الأطفال المشرّدين في خلال مسيرته الدبلوماسيّة. مصدر الصورة: السفير فؤاد خوري

هذه هي الأمّ تريزا…

يصِف خوري الأمّ تريزا بهذه الكلمات: «كان طولها 147 مترًا، ووجهها مليئًا بالتجاعيد، وكذلك كانت يداها مُجَعَّدتين، وبهاتين اليدين أنقذت الأطفال من أفواه الكِلاب وحضنت البرص». ويردف: «سأروي قصّة توجز جوهر هذه الأمّ؛ في أحد الأيّام، أصيب مدير أحد المصارف في كالكوتا بالبرص، فطردته زوجته من البيت. حينها عرف الجوع ومرارة الألم ونبذه كلّ من التقاه، إلى أن وصل إلى بيت «مرسلات المحبّة»، ففَفَتحَتْ له الأمّ تريزا الباب، وقالت له: "تعال يا بُنيّ أحبّك". هذه هي الأمّ تريزا».

أبرز محطّاتي مع الأمّ تريزا

يكشِفُ خوري: «تجلّى لقائي الأوّل بالأمّ تريزا، بينما كنتُ مرسلًا إلى الأرجنتين. ذَهبْتُ لرؤيتها كي أقدّم لها ستّة مكيّفات بسبب درجة الحرارة المرتفعة في كالكوتا، وبذلك أكون قد ساعدتُ الأشخاص الذين يحتضرون لديها على مفارقة الحياة في جوٍّ مريح. ما إن رأيتها، عرفتُ أنّ هذه المرأة ستبدّل حياتي. ومن ثمّ أطلعتُها على سبب زيارتي، فقالت لي: "أريد أن أسأل الله". دخلت إلى الكنيسة، وبعد عشر دقائق عادت ورفضت أخذ المكيّفات، غمرتني وتركت المكان».

ويُردف: «حين كنتُ في الأرجنتين، كانت الأمّ تريزا أيضًا هناك وقد أصبحت معروفة جدًّا، ويتهافت الجميع للمس ثوبها. فذهبتُ لرؤيتها، وحين وصلتُ ساعدتني راهبة للدخول إلى الكنيسة من الباب الخلفيّ، وكانت الأمّ تريزا بانتظاري». ويتابع: «كشفتُ لها ما أشعر به من تخبُّط بين حياة الدبلوماسيّ والشخص العاديّ العطوف على الفقراء. فغمرتني قائلةً: "ما بك"؟، أجبتُها: "لا أستطيع التوفيق بين هذين الوجهين". فردَّتْ: "أنت تبحث عن السعادة في هذا الكون، هذا صليبك وعليك أن تحمله بفرح". وبعدها، سألتها أن أترك السلك الدبلوماسيّ وأنضمّ إليها، فنظرت إليّ ووضعت المسبحة على شعري، صلّت وبعد خمس دقائق أجابتني: «ابقَ حيث أنت، فمن خلال منصبك ستساعد الله والعذراء وستساعدني. هذا صليبك، صلّ لربّك كي تحمله بفرح».

رسالة شكر من الأمّ تريزا دي كالكوتا للسفير فؤاد خوري. مصدر الصورة: السفير فؤاد خوري
رسالة شكر من الأمّ تريزا دي كالكوتا للسفير فؤاد خوري. مصدر الصورة: السفير فؤاد خوري

ويؤكّد خوري: «أمّا اللقاء الأهمّ، فحصل عندما كنتُ سفيرًا في نيودلهي عاصمة الهند، وعلمتُ أنّ الأمّ تريزا قد دخلت إلى المستشفى لإجراء سلسلة من العمليّات. اتّصلتُ بها للاطمئنان إليها، فردّت هي بنفسها على الهاتف، إذ لم تكن لديها سكرتيرة، وأخبرتُها بأنَّني قادم إليها كي أمضي أسبوعًا في كالكوتا». ويزيد: «بينما كنتُ في أحد بيوت الأمّ تريزا الخاصّة بالأشخاص المحتضرين، دخلَت ووضعَت يدها على كتفي وأشارت قائلةً: "اذهب إلى ذلك الشخص هناك، بعد ساعة سيموت". فقلتُ لها: "ماذا سأفعل له"؟ أجابتني: "أعْطِه حبّك". ذهبتُ إليه، ورحتُ ألامس شعره، وأبتسم له ويردّ لي البسمة إلى أن مات. هذا أهمّ ما اختبرتُه، منح شخص غريب عنّي حبّي قبل أن يموت بين يديّ».

ويُخبر خوري: «من المتعارف عليه أنّ كلّ سفير قبل مغادرته البلاد يتوجّه بمذكّرة وداع إلى جميع السفراء. ولمّا كنتُ سفيرًا في الهند، وقبل مغادرتي، شرعت في كتابة تلك المذكّرة، ولكن بعدما عشتُ اختبارًا حيًّا مع هذه القدّيسة، وتعرّفتُ إلى كبار حكماء الهند، رأيتُ أنّ من غير الممكن كتابة مثل هذه المذكّرة العاديّة إلى مئة وخمسين سفيرًا». ويُضيف: «بعدما أصغيتُ إلى صوت يسوع، كتبتُ أوّلًا أُعلِم السفراء بانتقالي إلى باراغواي، ومن ثمّ لفت نظرهم إلى أنّ في بلد مثل الهند، حيث يعاني كثيرون الجوع والفقر ومرض البرص، يمكننا وبكلفة طعام لشخصين في مطعم فاخر، إطعام أربعمئة شخص لدى الأمّ تريزا».

ويواصل: «لم يهتمّ السفراء العرب بالأمر، فيما عمل سفراء دول أخرى مثل فرنسا وأستراليا بما تمنّيته. أمّا الأجمل فكان موقف القنصل الفخري لإمارة ليختِنشتاين الذي تحقّق بنفسه ممّا تقدّمه مرسلات المحبّة من أطعمة للفقراء، وتعهّد بتأمينها طالما هو على قيد الحياة». ويردفُ: «في أثر ذلك، بعثَت لي الأمّ تريزا رسالة شكر، وهذه أعتبرها أهمّ من جميع الأوسمة التي حصدتُها، وقد علّقتها على مدخل بيتي».

ويشهدُ: «الأمّ تريزا، هي من قالت عنها رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي: "في حضرة الأمّ تريزا كلّنا نخجل من أنفسنا". وهي أيضًا من قال عنها صديقها القدّيس يوحنا بولس الثاني: "الأمّ تريزا هي هديّة السماء للأرض". وأنا أقول بكلّ تواضع: "الأمّ تريزا، هي هديّة السماء لي"؛ فقد علّمتني أن أحبّ الفقير الأكثر فقرًا». ويختِمُ: «لو كانت الأمّ تريزا اليوم بيننا، فهذه صلاتها لنا: "ثقوا دائمًا بيسوع، والتجئوا باستمرار إلى حضن مريم الحنون، ولا تخافوا، لبنان أرض مقدّسة، فيسوع والعذراء وجميع القدّيسين معكم يا شعب لبنان"».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته