في الذكرى العاشرة لسقوط سهل نينوى… القربان المقدّس رفيق رحلتَي الخروج والعودة

الأب مارتن بنّي أمام مزار القدّيسة بربارة في كرمليس حاملًا القربان المقدّس في عيد التحرير عام 2016 الأب مارتن بنّي أمام مزار القدّيسة بربارة في كرمليس حاملًا القربان المقدّس في عيد التحرير عام 2016 | مصدر الصورة: الأب مارتن بنّي

لم تستطع السنوات العشر المنصرمة أن تمحو من ذاكرة الأب مارتن بنّي، راعي كنيسة مار كوركيس الكلدانيّة في بغداد، تفاصيل تلك الليلة الصعبة التي عاشها مع أبناء بلدته كرمليس، عقب نهارٍ مشحونٍ بالقذائف المتساقطة وقلق الناس وخوفهم مترقّبين المجهول.

يروي بنّي لـ«آسي مينا» أحداث السادس من أغسطس/آب 2014، يوم استفاقت كرمليس الوادعة في سهل نينوى-العراق، على أصوات القذائف وأنباء استشهاد امرأةٍ وطفلَين في بغديدا-قره قوش المتاخمة وشروع الأهالي بالمغادرة بحثًا عن ملاذٍ آمن.

وقال: «إزاء القلق المستشري وأصوات الضربات المتبادَلة بين القوّات الأمنيّة ومقاتلي تنظيم داعش، لُذنا بالكنيسة رافعين صلوات عيد التجلّي واحتفلنا بالقدّاس، رغم أنّ داعش كان يبعد عنّا مسافة 20 دقيقة فقط».

وتابع بنّي: «كنت برفقة المطران بولس ثابت، وهو يومها كاهن رعيّة كرمليس وأنا إكليريكيٌّ أستعدّ للكهنوت، نواصل تجوالنا محاولين طمأنة الأهالي. وأذكر أنّها كانت قرابة الساعة العاشرة ليلًا حين بلَغَنا أنّ "تلكيف" غدَت أوّل بلدةٍ مسيحيّة تسقط في أيدي داعش. وبين الحيرة والتريّث، وإزاء خوف الناس من تعاظم خطر اقتراب داعش مع انسحاب القوّات الأمنيّة من دون إشعارنا لتتركنا وحيدين في مواجهة تنظيمٍ إرهابيّ، قرّرت السلطات الكنسيّة أن يخرج الشعب كلّه قاصدًا أربيل».

واسترسل: «قرعنا أجراس الكنيسة لتنبيه الأهالي وأرسلنا الشباب لإبلاغ المرضى وكبار السنّ أنّ سيارات الكنيسة ستقلّهم، وأكملنا حزم الوثائق الكنسيّة المهمّة وأواني القدّاس استعدادًا للرحيل، تحت وابل الرصاص».

وأضاف بنّي: «سأتذكّر دائمًا أنّ جسد الربّ كان رفيقي في اثنيَن من أهمّ أحداث حياتي، وأعتقد أنّ الله خصَّني ببركة حمل القربان المقدّس وإخراجه من كنيسة بلدتنا ليلتها، لترافقنا بركته في مسيرة خروجنا، ولئلّا تدنّسه عصابات داعش الإرهابيّ».

وأردف: «أشكر الله أنّه خصّني بنعمة أن أكون أوّل من يعيد القربان المقدَّس إلى كرمليس بعد تحريرها، رفيقي في رحلتَي الخروج  والعودة، فجلتُ في شوارعها لتغمر بركة القربان كنائسها وبيوتها وأهلها».

وجزَم بنّي: «زادت بركة القربان، رفيق رحلة الخروج، رجائي بأنّنا عائدون لا محالة، وبأنّ يد الربّ ترافقنا لنجتاز آلامنا كما رافقت شعب إسرائيل في اجتيازه البحر، وبأنّه سيخلّصنا كما خلّصهم. فكانت بركة القربان، رفيق مسيرة العودة، تزيدنا إصرارًا على إعمار بيوت بلدتنا وكنائسنا واثقين بأنّ الربّ يحيطنا بعنايته».

وختم بنّي بدعوة المؤمنين كافةً إلى ذكر إخوتهم في الإيمان من أبناء كنيسة العراق في صلواتهم دومًا. وشدّد على أنّ الاضطهادات لم تزد الكنيسة إلّا ثباتًا وقوّةً وحيويّة، وأغزَرت إيمان أبنائها ووطدته، و«الكنيسة في العراق حيّة، والمسيح حيّ ويعمل في شعبه المقدَّس هذا والأمين» كما رآها البابا فرنسيس في خلال زيارته التاريخيّة.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته