ماتيرا... من «عار إيطاليا» إلى أرض العبادة المسيحيّة

مدينة ماتيرا الإيطاليّة مدينة ماتيرا الإيطاليّة | مصدر الصورة: canadastock/Shutterstock

في جنوب إيطاليا، موقع على لائحة التراث العالمي لليونسكو كان يُعرف سابقًا باسم «عار إيطاليا»، لكنّه صار اليوم موقعًا يحبّه مخرجو الأفلام ويشتهر بتفانيه الكبير للعذراء مريم. إنّها مدينة ماتيرا في منطقة باسيليكاتا.

كانت ماتيرا واحدة من أفقر مُدُن البلاد. فيها، عاش فلاحون بفقر مدقع لمئات السنين داخل كهوف حجرية حيث تشاركوا مساكنهم الصخريّة مع عائلاتهم المؤلّفة من 6 إلى 8 أفراد وحيوانات مثل الخيول والحمير والخنازير.

وفي داخل الكهوف بُنيت أسرّة عالية ومرتفعة وُضِع تحتها الدجاج ونام قربها الأطفال. وبسبب الملاريا والأمراض كانت معدلات وفيات الأطفال مرتفعة. وبفعل هذه الظروف الحياتيّة القاسية دُعيت المنطقة «عار إيطاليا».

لقطات من مدينة ماتيرا الإيطاليّة. مصدر الصورة: رومي الهبر/آسي مينا
لقطات من مدينة ماتيرا الإيطاليّة. مصدر الصورة: رومي الهبر/آسي مينا

«المسيح توقّف في إيبولي»

في العام 1935، نفى الفاشيون الطبيب والكاتب كارلو ليفي إلى قرية نائية في المنطقة. هناك، كتب ليفي مذكّرات عنوانها «المسيح توقّف في إيبولي»، وصف فيها الفظائع التي رآها في تلك المنطقة.

وقال ليفي لاحقًا إنّه اختار ذلك العنوان لأنّ الناس شعروا بأنّ المسيحية والمبادئ الأخلاقيّة والتاريخ تجاوزتهم بشكل ما، وصاروا كأنّهم مُستثنون من التجربة الإنسانيّة الكاملة. فدوّن ليفي عن لسان السكّان: «لا يُنظَر إلينا كبشر... إلى هذه الأرض لم يصل المسيح».

لقطات من مدينة ماتيرا الإيطاليّة. مصدر الصورة: رومي الهبر/آسي مينا
لقطات من مدينة ماتيرا الإيطاليّة. مصدر الصورة: رومي الهبر/آسي مينا

وبعد انتشار هذا الكتاب الصادر عام 1945، نقلت الحكومة الإيطالية سكّان الكهوف في خمسينيّات القرن الماضي إلى منازل حديثة. وهكذا تحوّلت ماتيرا من «عار إيطاليا» إلى مركز سياحي.

إكرام كبير للعذراء مريم

في ماتيرا اليوم، أكثر من 150 كنيسة صخريّة تحتوي على لوحات جدارية ومنحوتات. وتشكّل هذه الكنائس المحفورة في الصخور المشهد الحضري لماتيرا. وتُكرِّم المدينة مريم العذراء من خلال احتفالات عدة. فهي تحتفل سنويًّا في الثاني من يوليو/تموز، منذ العام 1389، بمهرجان للعذراء «مادونا ديلا برونا»، شفيعة المدينة.

لقطات من مدينة ماتيرا الإيطاليّة. مصدر الصورة: رومي الهبر/آسي مينا
لقطات من مدينة ماتيرا الإيطاليّة. مصدر الصورة: رومي الهبر/آسي مينا

ويحيي المهرجان ذكرى ظهور العذراء لمزارع في حيّ يُعرف اليوم باسم بيشيانيلو. وفي المهرجان، تَجُرّ عربة ضخمة تمثالًا للسيّدة العذراء عبر شوارع المدينة حتى تصل إلى الكاتدرائية. وعند حلول الليل، تستمر رحلة العربة عبر الساحة المركزيّة للمدينة، وتُدَمَّر العربة بعدها وفقًا للتقاليد.

القدس الإيطاليّة

استوحى كثيرون من المخرجين السينمائيين من مدينة ماتيرا لقطات ومشاهد لأفلامهم. فقد اختارها ميل غيبسون لتصوير أجزاء من فيلم «آلام المسيح». بينما صوّر فيها المخرج الإيطالي بيير باولو باسوليني فيلمه «الإنجيل بحسب متى».

لقطات من مدينة ماتيرا الإيطاليّة. مصدر الصورة: رومي الهبر/آسي مينا
لقطات من مدينة ماتيرا الإيطاليّة. مصدر الصورة: رومي الهبر/آسي مينا

اعتبر باسوليني أنّ ماتيرا تشبه كثيرًا مدينة القدس القديمة. وبالنسبة إليه، هي تعادل في معاناة أهلها معاناة شعب الله المختار. وبسبب عدد الأفلام المسيحيّة الكثيرة التي صُوّرت فيها، يمازح سكّان المنطقة قائلين إنّ يسوع المسيح مات وقام في ماتيرا 8 مرات على الأقل.

المزيد

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته