هل تصلّي الكنائس المشرقيّة بلغة المسيح؟

كلّ لغةٍ هي كنز وغنًى، ولكن من المهمّ أن يفهم المؤمنون ما يردّدونه من صلوات كلّ لغةٍ هي كنز وغنًى، ولكن من المهمّ أن يفهم المؤمنون ما يردّدونه من صلوات | مصدر الصورة: Thoom/Shutterstock

لم تحظَ حياة المسيح على الأرض باهتمام المؤمنين به فحسب، بل كان يسوع إحدى أكثر الشخصيّات تأثيرًا على العالم بأسره، إن لم يكن أكثرها. فصبّ علماء الآثار والاجتماع واللغة واللاهوتيون والفلاسفة وسواهم اهتمامًا خاصًّا لدراسة هذه الشخصيّة المتميّزة من جوانب عدّة، منها اللغة -أو اللغات- التي تكلم بها يسوع. فهل ما زالت تلك اللغة حيّةً؟ وهل ثمّة من يتحدّث أو يصلّي بها؟

تابعت «آسي مينا» هذا الموضوع مع الأب سامر هندو، الكاهن في أبرشيّة كركوك والسليمانيّة الكلدانيّة. فأوضح أنّ المفسرّين والباحثين استنتجوا عبر دراساتهم أنّ الربّ يسوع تحدّث بالآراميّة بلهجتها الجليليّة، منطلقين من المحيط الذي خالطه وخدم فيه.

وشرح أنّ لهجة تلاميذه كانت آراميّةً جليليّة أيضًا «فمن لهجته، عرف المجتمعون في دار رئيس الكهنة أنّ بطرس جليليّ (مت 26: 73). كما اندهش الحاضرون في العنصرة إذ سمع كلّ واحدٍ منهم الرسل يتكلمون بلغته وتساءلوا: "ألَيْسَ جَمِيعُ هؤُلاَءِ الْمُتَكَلِّمِينَ جَلِيلِيِّينَ؟"».

واستدرك هندو: «وفقًا للمعطيات التاريخيّة، كان يسوع الناصريّ يعرف ثلاث لغات تتناسب مع سياق عصره: اللغة الأمّ (الآرامية)، واللغة الطقسيّة والعلميّة (العبرية)، واللغة العالميّة (اليونانية). ولا شكّ أنّه كان يستخدم إحداها، بالتناوب، وفقًا لاحتياجات خدمته».

وفصَّل أن «الربّ كان يتحدّث الآراميّة الجليليّة مع محيطه وتلاميذه، ولولا إجادته العبريّة لما استطاع قراءة لفائف التوراة، وباليونانيّة يُفترض أنّه تحدّث مع بيلاطس وقائد المئة».

ونفى هندو أيّ علاقة بين اللهجة الآراميّة التي تحدّث بها يسوع واللغة السريانيّة الطقسية لدى الكنائس ذات التراث المشرقيّ؛ «فاللغة السريانيّة هي صيغة مسيحيّة بحتة، ترتبط جذورها بالآراميّة، لكنّها ليست إحدى لهجاتها، بل لغة مستقلّة لها أبجديتها وآدابها».

وبيّن أنّ الآراميّة الجليليّة تراجعت في خلال القرون المسيحيّة الأولى، أمام السريانيّة المنطلقة كلغة من مدينة الرّها، وتطورت على مدى ألفي عام ولا تزال حيّةً لدى الكنائس المشرقيّة، بلهجتَيها الشرقيّة والغربيّة. والأخيرة أقرب بكثير إلى الآراميّة الجليليّة وإلى لغة المسيحيّين المحكيّة في تركيا وسوريا.

وقال هندو إنّ كلّ لغةٍ هي كنز وغنًى. وكما نهتمّ بالحفاظ على اللغة الطقسيّة يهمّنا أن يفهم المؤمنون ما يردّدونه من صلوات. لذا لجأت الكنيسة الكلدانيّة إلى ترجمة صلواتها إلى العربيّة والسورث والإنكليزيّة ليتسنّى للناس الصلاة والتأمّل.

وخلص هندو إلى القول: «كما أنّ الإنسان أعظم من السبت، ففحوى تعليم المسيح أهمّ من اللغة التي وصلنا بها. والأهمّ أن نتحدّث جميعنا، كنيسةً ومؤمنين، بأعظم لغة علّمنا إيّاها مخلّصنا، وهي لغة المحبّة».

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته