الليتورجيا والطقوس الكنسيّة بين تحدّيات التجديد وخشية التبديد

تحتفي الكنيسة بطقوسها وترى فيها تكامل الكلمة والرمز واللحن والحركات تحتفي الكنيسة بطقوسها وترى فيها تكامل الكلمة والرمز واللحن والحركات | مصدر الصورة: Calamity Jane/Shutterstock

تحتفي الكنيسة بطقوسها، وترى فيها تكامل الكلمة والرمز واللحن والحركات، مقدِّمةً معًا أحداث التدبير الخلاصيّ والجانب المحسوس لحضور الله الثالوث. وبقوّتها المُستَمَدّة من الرّوح القُدُس تُدْخِلنا في العالم الإلهيّ.

وبُغية الحفاظ على الطقوس من التشويه والتخريب يلزم تجنّب أوهام عدّة لا تتوافق مع روحانيّة الطقوس المشرقيّة وتركيبتها العامة، وقع فيها كثيرون بدعوى التجديد، كما أوضح المطران بولس ثابت راعي أبرشيّة ألقوش الكلدانيّة في حديثٍ إلى «آسي مينا».

لا يرى ثابت منطقيّةً في التذّرع  بالاستجابة لمقرّرات المَجمَع الفاتيكاني الثاني لإحداثِ تغييراتٍ طقسيّة. فالمَجمَع شرح معنى الليتورجيا ولاهوتها، وأكّد جوهرها الواحد، وخصّ بتغييراته الطقس اللاتينيّ، وأعلن صراحةً أنّ توجيهاته لا تخصّ الشرقيّين وطقوسهم، بل دعاهم إلى الحفاظ عليها وعلى غناها.

وشرح أنّ إلغاء التوجّه بالصلاة نحو الشرق وإلغاء حجاب الهيكل الذي يشير إلى جوهر طقوسنا الشرقيّة: مفهوم السرّ الإلهي (رازا)، وسواهما من التغييرات المبرَّرة بقرارات المَجمَع كانت تحتاج إلى قراءة أعمق وفهم أشمل للطقوس المشرقيّة.

ورأى ثابت أنّ إخضاع الطقوس لمعايير العجلة الاستهلاكيّة يُفقدها حتمًا رونقها وبالتالي كثيرًا من معانيها الأساسيّة. وأضاف: «من خصوصيّة تقديم العبادة بواسطة الطقوس الكنسيّة أن يدخل المؤمن ضمن فضاء الله السرمديّ، في محطةٍ يتوقف فيها الزمن ليبقى الإنسان في حضرة خالقه، لا يمزّقه الاستعجال والتراكض».

واستطرد: «يدلّ قياس القدّاس بالدقائق، ورغبة بعضهم في انتهائه بأسرع وقتٍ، على سوء فهمٍ عميق، بل في ذلك تدنيس لمعناه. ومن المعيب مطالبة بعضهم بقدّاس مختزل يتمّ كيفما اتّفق، بقصد اللحاق بنشاط آخر أو التزامٍ أيًّا كان؛ فموقف مماثل يختزل المسيح ويجعله ثانويًّا».

لا ينكر ثابت أهمّية المواكبة والتأوين، ويشدّد على فهمهما حسب روح الإنجيل واللاهوت. «فالمواكبة تعني تقديم الحقيقة الخلاصيّة لجميع الأجيال من دون خجل أو مساومة، على مثال بولس الرسول المبشِّر بالمسيح المصلوب في واقعَين مختلفَين يحتقران الصليب» (راجع 1كو 1: 21-31).

ويرى رغبة بعضهم في تسييد أفكار اليوم على حساب الحقيقة الإيمانيّة وإضافتهم عبارات إلى الطقوس تشويهًا لتلك الحقيقة، لتنال مقبوليّة الإنسان المعاصر. ويطرح تساؤلاتٍ عدّة حول قدرة الحقيقة حينئذٍ على العمل وتغيير الإنسان المعاصر المتخبِّط بسبب ضبابيّة العصر ومخلّفات الأيديولوجيات السابقة التي ولّدت لديه عُقَدًا صعبة في معنى الإنسانية والكون والله.

وختم ثابت جازمًا بأهمّية التأوين بمعناه الليتورجيّ بجعل الحَدَث الخلاصيّ المتمَّم في الماضي، مستمّر المفعول الآن في الطقوس. فالتأوين يقدّم الخلاص بجماله المحسوس وأصالته الوجوديّة وحقيقته المطلقة للأجيال الحالية، من دون إخضاع الطقوس للنزعة المعاصرة.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته