كيف نفهم القداسة من منظور الكنيسة الكاثوليكيّة؟

لوحة جميع القدّيسين لوحة جميع القدّيسين | مصدر الصورة: Radu Bercan/Shutterstock

يحظى موضوع القداسة بمكانة مهمّة وأساسيّة في الحياة المسيحيّة. وارتباطه جذريٌّ بحياة الكنيسة عبر لاهوتها وتاريخها وإرثها الليتورجيّ.

يشرح الأب منتصر حدّاد النائب الأسقفيّ العام لأبرشيّة سيّدة النجاة للسريان الكاثوليك في الولايات المتّحدة الأميركيّة في حديثٍ خاصّ لـ«آسي مينا» كيف يحصر بعضهم معنى المقدّس ضمن حدود الكمال، واللاخطيئة، والطهارة والنقاء التامَّين. ويتمّ ذلك عبر فهمٍ جامد، ستاتيكيّ، لا يعبّر عن سعي المؤمن المتوجِّه نحو الله باحثًا عن القداسة.

ورأى أنّ مفاهيم كـ«مقدَّس، وقدّوس، وقدّيس» تؤدّي معنَيَين يعتمد أحدهما على الآخر. الأوّل بمعنى المنفصِل، المختلف تمامًا، القائم بذاته ولا شبيه له في الموجودات، وهو الله القدّوس ومنبع كلّ قداسة. والثاني بمعنى المختلِف، المميَّز، المفروز، وهذا يستمدّ حقيقته من الأوّل.

وشرح حدّاد أنّ قداسة الإنسان أو الأشياء تعني أنّها مميّزة مفروزة، وتكتسب قداستها من الله القدّوس ومنبع كلّ قداسة. وهكذا، يحاول الإنسان محاكاة طبيعة الله القدّوس، كي يتقدّس هو ويقدّس الخليقة من حوله.

وتابع: «هكذا نفهم أنّ القداسة ليست مجرّد صفة، بل حالة وهدف وحركة ديناميكيّة فعّالة في حياة الإنسان. فهي أبعد ما تكون عن عدم الوقوع المطلق في الخطيئة، بقدر ما هي محاولة الإنسان أن يكون على صورة الله ومثاله؛ والقدّيس إنسانٌ يدرك في داخله أنّه خاطئ ويقرّ بضعفه ومحدوديّته ونقصه، وبحاجته إلى التوبة ليستطيع النموّ في القداسة التي يدعوه الله ليعيشها».

واستشهد حدّاد بآيات الكتاب المقدّس بعهدَيه، عن الإنسان المدعوّ إلى الكمال: «مُرْ كُلَّ جَماعةِ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: كونوا قِدِّيسين، لأَنِّي أَنا الرَّبَّ إِلٰهَكم قُدُّوس» (لا 19: 2). و«فكونوا أَنتُم كامِلين، كما أَنَّ أَباكُمُ السَّماويّ كامِل» (مت 5: 48).

وأبرز «أنّ القداسة أسمى من أن نحصرها في قوالب الطهارة الكاملة التي لا يتّصف بها إلّا الله وحده. بينما واقع حال الإنسان يخبرنا به نصٌّ من كتاب القدّاس السريانيّ: «واحدٌ فقط ظهر على الأرض بلا خطيئة، وهو ربّنا يسوع المسيح الذي نرجو أن ننال به الرحمة والصفح عن خطايانا...».

وخلص حدّاد إلى القول: «القداسة دعوة، وكلّنا مدعوّون إلى تحقيقها في حياتنا يوميًّا، بالاتّكال على إلهنا الذي أعطى الإنسان إمكانيّات بلوغها ليمكّننا من عيش حياتنا بشكل مقدّس، مميَّز، لا يشبه منطق العالم. فالقدّيس إنسانٌ يعيش في العالم، ولكن لا ينتمي إلى منطقه، كما قال يسوع: "لأَنَّهُم لَيسوا مِنَ العالَم كما أَنِّي لَستُ مِنَ العالَم"».

القداسة إذًا مسيرة يختبر فيها الإنسان حقيقة ضعفه إزاء كمال الله، وكيف يمكنه، بمعيّة الله، الارتقاء بحياته نحو الأفضل، كما يريدها الله، متحرِّرًا من عبوديّة الخطيئة ومختبِرًا حرّية العلاقة مع الله.

رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!

تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته