أكّد رئيس أساقفة الموصل العراقيّة للسريان الكاثوليك المطران بنديكتوس يونان حنّو أنّ إعادة إعمار الكنائس ليست مجرّد ترميمٍ للحجارة. واعتبر أنّ هذا العمل يحمل في طيّاته رسالة مفادها أنّنا موجودون وثابتون في أرضنا ومتشبّثون بجذورنا العميقة.
ففي حديث خاص إلى «آسي مينا»، شرح حنّو، عقب ترؤسّه أمس الأحد الاحتفال بالقدّاس الأوّل في كنيسة مار كوركيس الأثريّة المعاد ترميمها في بلدة برطلّة العراقيّة، أنّ «في ترميم كنائسنا الأثريّة قراءة متجدّدة لتاريخنا وتذكيرًا بحضورنا».
شاهدة على عمق الوجود المسيحيّ
عدّ حنّو هذه الكنيسة المرمّمة صرحًا تاريخيًّا وعلميًّا زاخرًا بصوامع للمفارنة السريان، وشاهدةً على عمق الوجود المسيحيّ في برطلّة منذ القرن الثاني عشر. والمفريان مرتبة دينيّة ما بين المطران والبطريرك.
وتساءل حنّو: «من يناظرنا في عمق جذورنا؟». واعتبر ترميم المكان تأكيدًا لاستمرار المسيحيّين في البناء والتجديد والتأسيس، وردًّا صريحًا على المتسائلين والمنتقدين لإعمار كنائس العراق في حين يهاجر مسيحيّوه وتتضاءل أعدادهم. وأعلن: «نحن موجودون منذ قرون، وسنبقى».
واسترسل حنّو مفسّرًا: «نقرأ في سفر التكوين أنّ الله خلق السماوات والأرض. هو نظّم المكان وأعدّه قبل أن يخلق الإنسان.
واليوم، على مثاله، نبني وننظّم ونعدّ المكان لاستقبال الإنسان الجديد. فلا يقتصر واجبنا على بنيان الإنسان بل يجدر بنا أن نعتني ببنياننا الحضاري والحفاظ على تاريخنا».
وختم المطران السرياني بالقول: «ينبغي أن يعرف المسيحيّ العراقيّ اليوم، عمق حضارته وغنى تاريخه. إنّه ليس طارئًا على هذه الأرض، بل هو أساس هذا البلد. وجذور أصالة المسيحيّ تمتدّ عميقًا في أرضه، لذا عليه أن يعتزّ بها ويعمّق انتماءه إليها».
تحسُّن تدريجيّ
حضر القدّاس أيضًا السفير البابويّ في العراق المطران متيّا لسكوبار. واعتبر لسكوبار، في حديث خاص إلى «آسي مينا»، أنّ أجواء الحدث رائعة بروحانيتّها العميقة. وهي تؤكّد حيويّة المجتمع المسيحيّ في برطلة. وأردف: «أسمع دائمًا العراقيّين من مختلف الديانات، يصفون المسيحيّين بورود الحديقة العراقية. وهم باعتقادي يعنون ما يقولون. وأرى في تحسّن الأوضاع محفِّزًا لازدهار هذه الحديقة الزاخرة بديانات ولغات وثقافات عدّة».
وعن الحضور المسيحي اليوم في الموصل، أشار لسكوبار إلى أنّ إعادة إعمار كنائسها تؤكّد التحسّن التدريجيّ للوضع. ولكنّ عودة المسيحيّين إليها ما زالت صعبة نوعًا ما لأسباب اقتصاديّة وأمنيّة. وختم لسكوبار مستذكرًا كلمات البابا فرنسيس: «العراق سيبقى في قلبي». وأكّد أنّ العراق وكنيسته يحظيان بمكانة خاصّة في قلب الأب الأقدس ولن ينسى هذا الأخير زيارته البلاد.
الجدير بالذكر أنّ كنيسة مار كوركيس الأثريّة تقع في برطلة التابعة لمحافظة نينوى، شماليّ العراق. يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر، وكانت في الأصل صوامع للمفارنة السريان ذوي الدور الثقافي والتعليميّ والعلميّ في الكنيسة. يوثّق شاهد حجريّ تجديدها عام 1850 في خلال حبريّة المطران عيسى محفوظ. وتُرِكَت عام 1939 عقب بناء كنيسة جديدة بالاسم نفسه.
وبعدما أحرق تنظيم «داعش» الإرهابي الكنيستَيْن، شُرِع بالترميم عام 2019 بدعمٍ من جمعيّتَي «آي سي إن» و«عمل الشرق» وتبرّعات مؤمني برطلة السخيّة. وترأس حنّو مراسم تكريس مذبح الكنيسة قبل بضعة أيّام بمناسبة عيد مار كوركيس الشهيد.