أربيل, الخميس 14 أبريل، 2022
تأمل لسيادة المطران بشار متي وردة
"ولمَّا أَتَمَّ يَسوعُ هذا الكَلامَ كُلَّه"، بهذه العبارة تبدأ قصّةُ الآلم بحسب إنجيل متّى، حيث يُشير الإنجيلي إلى ختام تعليم وبدءِ الحيدث عن قصّة، وعندما يقول متّى الإنجيلي: "الكَلامَ كُلَّه"، فهو يعني لن يكون هناك تعليم خلاصي، بل حان الوقت لفعلٍ خلاصي، والذي سيحصل في عيد الفصح، حيث يحجٌّ اليهود من كل المعمورةِ إلى أورشليمَ إستذكاراً لفعلِ الله الخلاصي من عبوديةِ مصرَ وإبرامِ العهد معهُ شعباً مُختاراً له، بإنتظارِ المسيح المُخلِص. وربّنا يسوع كان يعلَم أن مُعاضريهِ؛ عظماءُ الكهنةِ وشيوخ الشعب قرروا قتلهُ، ولكنَّهم قالوا: "لا في حَفلَةِ العيد، لِئَلاَّ يَحدُثَ اضطِرابٌ في الشَّعْب"، والحقيقة أن الأحداث ستشهدُ صلبَ ربّنا يسوع يومَ العيد.
في هذه الأثناء ذَهبَ أَحَدُ الاثنَيْ عَشَر، ذاكَ الَّذي يُقالُ له يَهوذا الإِسخَريوطيّ، إِلى عُظَماءِ الكَهَنَة وقالَ لهم: "ماذا تُعطوني وأَنا أُسلِمُه إِليكم؟" فَجَعلوا له ثَلاثينَ مِنَ الفِضَّة. وأَخَذَ مِن ذلِكَ الحينِ يَطلُبُ فُرصَةً لِيُسلِمَه. يقيناً لا نعرِف الدافعَ وراء هذه الخيانةِ من أحد المُقربينَ من ربّنا يسوع، ولكّن ثمَن الخيانةِ يُّكرنا بما قالهُ زكريا النبي عن الثمن الذي قيّمه التجّار لراعي الشعب (11: 12). وفي مواجهةِ خيانةِ أحد أصدقائهِ، تقدّمت إمرأةٌ لتصُبَّ على رأسهِ عطراً غالي الثمن، خبرنا مرقس الإنجيلي أنّ ثمنهُ كان يُقدّر بأكثر من 300 دينار، إجرة عاملٍ لسنةِ كاملةٍ، وكسرت جرّة العطر كلّها عليه من دون أن تحتفِظ لها بشيءٍ، كما فعلَ موسى عندّما صبّ الزيتَ على هارون ونصبّه رئيساً للكهنة (أحبار 8: 12)، وصموئيل النبي عندما نصبَّ شاؤولَ أولَ ملكٍ على شعبِ إسرائيل (1 صم 10: 1)، وهو ما لم يغهمهُ التلاميذ، لذا، قالوا: لما هذا الإسرافُ؟ متوهمينَ أن ربنا يسوع سيؤيدهم في موقفهم هذا، لا سيمّا بعد أن أكّد في تعليمهِ على ضورة مساعدة الجياع والعطاش والغرباء والمرضى.
ولمفاجأة الجميع، قدّمَ ربّنا يسوع تفسيراً مُغايراً لموقف التلاميذ، وأكدّ لهم أن الفقراء سيكونون متواجدين حولنا، وإنَّ من مسؤولية الرُسل، والكنيسة مساعدتهم، فالأرض لن تخلو من الفقراء كما نقرأ في سفرِ تثنية الإشتراع (15: 11)، ولكنّه، لن يتواجد معهم جسدياً دوماً، فلا حاجةِ إلى إزعاجِ المرأةِ، فهي قدّمت الإكرامَ اللائقَ، وهو فعلٌ حسنٌ، فهي أظهرَتَ سخاءً كاملاً في العطاءِ، وأشارَت إلى سخاء عطاءَ الحُبِ الذي يُقدمهُ ربّنا يسوع، لذا، فهي هيّات لدفنهِ، من دون أن تعرِف، فدافعَ هو عنها أمام إعتراضاتِ الرُسل، وأوصى بأن يُعلَن للعالمِ أجمع ما فعلتهُ له، لأنها أعطت كل ما هو ثمينُ وطيّبٌ في حياتها، وأعطته بسخاءٍ، لترمُز إلى هبةِ الله السخيّة، ربّنا يسوع المسيح، وتكون هذه المرأة إنموذجَ إيمانٍ، حيث إستجابت بسخاءٍ لعطيّة الله لها: يسوع المسيح.