بيروت, الجمعة 15 أبريل، 2022
لم تكن قصيدة المسيح بعد الصّلب هي الأولى التي عبّر فيها الشاعر "بدر شاكر السّياب" عن تأثّره بالمسيح، بل كانت الأجمل بين قصائده. وهذا التّأثّر بالمسيحيّة عند "السّياب" جاء نتيجة عوامل عدّة؛ منها: إتقانه اللغة الإنكليزيّة، ممّا سهل عليه قراءة الإنجيل باللغة الأجنبيّة. ومن ثمّ قراءته قصيدة "أرض الخراب "لـ"توماس إليوت"، وهي تتحدّث في مضمونها عن ضياع الكأس المقدّسة. وهذه العوامل تؤكّد أنّ "السيّاب" تشرّب الرّموز المسيحيّة من الخارج وفاض بروحانيّتها.
هذه القصيدة عبّرت عن رؤيتها من خلال تأثّرها بالأناجيل الأربعة. ولكن على الرّغم من ذلك، فهي اختلفت عنها نظرًا لما وضع فيها من وقائع لم تذكر في الكتاب المقدّس/العهد الجديد.
فكيف يستطيع شاعر مسلم أن يتّخذ من "الفداء" وهو أحد المعالم الواضحة التي تفصل فصلًا تامًا بين الإسلام والمسيحيّة رمزًا في شعره؟
وفي الإجابة عن ذلك، كما رأينا كيف راح "السيّاب" يستعير في قصيدته ثلاثة من الرّموز المسيحيّة، وهي الفداء والصّلب والحياة من خلال الموت، كي يصوّر من خلالها مدى معاناته التي عرفها في سبيل بعث أمته. ومن ثمّ، كيف أثمرت هذه التّضحيات، فانبعثت أمته مناضلة تسلك الدرب الّذي سلكه وهو درب الكفاح والتّضحية والفداء. وقد اتّحدت شخصيّته بشخص المسيح، اتحادًا تامًّا. ففي الوقت الّذي راح يستعين فيه بملامح من تجربة المسيح، راح بدوره يمزج أيضًا ملامح تجربته الخاصّة في المسيح. وتكوّنت بذلك معالم هذه الشخصيّة الموحّدة من خلال ملامح الشّخصيّتين مجتمعة معًا.