ب- وعند تقدمة الذبيحة لله، يعتبر الربّ يسوع أنّ المصالحة أهمّ من الذبيحة، بل تجعلها مقبولة من الله. فيقول: «إذا كنت تقدّم قربانك على المذبح، وتذكّرت هناك أنّ لأخيك عليك حقدًا، فدع هناك قربانك على المذبح، واذهب أوّلًا فصالح أخاك، ثمّ عد وقرّب قربانك» (متى 5: 23-24). وقال في موضع آخر: «أريد رحمةً لا ذبيحة» (متى 12: 7).
ج- ولمّا سأله بطرس: «كم مرّة، إذا خطئ إليّ أخي، أغفر له، أإلى سبع مرّات؟ فقال له يسوع: لا أقول لك إلى سبع مرّات، بل إلى سبعين مرّة سبع مرّات!» (متى 18: 21-22). بهذا الجواب أكّد الربّ يسوع أنّ المصالحة هي مصدر الفرح الحقيقيّ على قلب من يصالح وقلب من يتقبّل المصالحة، وبخاصّة على قلب الآب السماويّ. وهذا ما يؤكّده الربّ يسوع في معرض حديثه عن الفرح في السماء بعودة خاطئ يتوب. في مثل إيجاد الخروف الضّال (راجع لو 15: 4-7)، وفي مثل إيجاد الدرهم الضائع (لو 15: 8-10)، وفي مثل عودة الابن الضال (راجع لو 15: 11-23).
7. إنّ أهمّ واجبات الكنيسة، برعاتها وأبنائها وبناتها، إعطاء المثل في عيش المصالحة في ما بينهم ومع الناس، وبخاصّة في حالات الإساءة والشر. فالمصالحة تنبع من الرحمة التي نتعلّمها من الله «الغنيّ بالرحمة» (أفسس 2: 4).
إنّ مجتمعنا اللبناني عمومًا والجماعة السياسيّة خصوصًا يعانون انقسامات ونزاعات وبغض وكيديّة يدفع ثمنها لبنان والشعب اللبنانيّ على جميع المستويات: الاجتماعي والسياسيّ والدستوريّ والماليّ والإصلاحيّ.
فمن واجبنا جميعًا، مع كلّ الأشخاص ذوي الإرادات الحسنة، العمل على إيقاف الخلافات وإزالة أسبابها، وتعزيز الاحترام المتبادل وإعادة الثقة المفقودة بين مكوّنات الوطن. وهكذا نعيش زمن الصوم الكبير المعروف بزمن المصالحات بدءًا بالعائلة، مرورًا بالمجتمع، وصولًا إلى الأحزاب والجماعة السياسيّة.
عندما تتحقّق المصالحة والثقة نستطيع أن نتعاون في إعادة بناء الدولة ومؤسّساتها، وإنهاض اقتصادها، وتحريك تجارتها، وإحياء مصارفها وحركتها الماليّة.
ثالثًا- الصوم زمن الرجوع إلى إخوتنا في حاجاتهم
8. كيف يعيش فرح عيد الفصح إخوتنا وأخواتنا وهم عائشون في قلق فقرهم وحاجاتهم وأوضاعهم الحزينة والمؤلمة. هؤلاء سمّاهم الربّ يسوع «إخوته الصغار»، وقد تماهى معهم في آلامهم وحاجاتهم التّي حدّدها بستّة أنواع: الجوع والعطش والعري والغربة والمرض والأسر، ليس بالمفهوم الجسديّ فحسب، بل أيضًا بالمفهوم الروحيّ والنفسيّ والثقافيّ والأخلاقيّ والاجتماعيّ (راجع متى 25: 31-46).
9. هؤلاء الإخوة بحاجة إلى مصالحة، إلى مصالحتنا من خلال مساعدتهم الماديّة والروحيّة والأخلاقيّة والمعنويّة.
نصالح الجائع عندما نوفّر له الطعام والسبل لكسبه بعرق جبينه من أجل كرامته. وعندما نؤمّن له ما يجوع إليه كالعلم والعدالة والطموحات. نصالح العطشان عندما نوفّر له الماء والسوائل. وعندما نؤمّن له ما يروي ظمأه الروحيّ إلى سماع كلمة الله، أو ظمأه الاجتماعيّ إلى عدالة ومعرفة وعاطفة إنسانيّة. نصالح العريان عندما نوفّر له الثوب والأثاث. وعندما نحمي صيته وكرامته. نصالح المريض عندما نزوره ونساعده على اقتناء الأدوية، وعلى الاستشفاء ومعالجة وضعه الجسديّ أو النفسيّ أو العقليّ أو العصبيّ، وعندما نعتني باحتياجاته الخاصّة المعروفة بالإعاقة على مختلف أنواعها، ونعمل على انخراطه بمجتمعه بمختلف السُّبُل، لا سيما بعد نيله الثقافة اللازمة لهذا الانخراط. وعندما نساعد «المريض» أخلاقيّا كالمتكبّر والبخيل والمدمن على المخدّرات وسواها.
نصالح الغريب عندما نستقبله، وأيضًا عندما يشعر بأنّه غريب في بيته وعائلته والمجتمع فنحادثه ونقاربه ونحلّ العقد التي يعانيها. نصالح السجين الموقوف وراء القضبان عندما نزوره، ونستمع إليه، ونصغي لحاجاته ونعتني بتوفيرها. ونصالح سجين أمياله أو أشخاص أو إيديولوجيّات أو مواقفه المتحجّرة، عندما نساعده على التحرّر منها.
(تستمر القصة أدناه)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
توجيهات راعويّة
أ- الصوم والقطاعة والإعفاء منهما
10. الصيامُ هو الامتناع عن الطعام من نصف الليل حتى الظهر، مع إمكانيّة شربِ الماء فقط، من اثنين الرماد (12 شباط) حتى سبت النور مساءً (30 آذار)، باستثناء الأعيادِ الآتية: مار يوحنّا مارون (2 آذار)، الأربعون شهيدًا (9 آذار)، مار يوسف (19 آذار)؛ وشفيع الرعيّة؛ وباستثناء السبت والأحد من كل أسبوع، بحسبِ تعليمِ القوانينِ الرسوليّة (سنة 380). ففي السبتِ تذكارُ الخلق، وفي الأحد تذكار القيامة. تستثني هذه القوانينُ سبت النور «لأنّ اليومَ الذي كان فيه الخالقُ تحتَ الثرى، لا يحسنُ الابتهاجُ والعيد، فالخالقُ يفوقُ جميعَ خلائقِه في الطبيعةِ والإكرام».
11. القطاعة هي الامتناع عن أكلِ اللَّحمِ والبياضِ طيلة الأسبوع الأول من الصوم، وأسبوع الآلام، وفي كلِّ يومِ جمعة على مدار السنة، ما عدا الفترة الواقعة بين عيدَي الفصحِ والعنصرة، والميلاد والدنح، والأعياد الليتورجيّة الواجبة فيها المشاركة بالقدّاس الإلهيّ مثل: الميلاد، والغطاس، وتقدمة المسيح إلى الهيكل، ومار مارون، ومار يوسف، والصعود، والرسولين بطرس وبولس، وتجلّي الربّ، وانتقال العذراء إلى السماء، وارتفاع الصليب، وجميع القدّيسين، والحبل بلا دنس، وعيد شفيعِ الرعية.
12. يُعفى من الصَّوم والقطاعة على وجهٍ عامّ المرضى والعجزة الذين يَفرِض عليهم واقعهم الصِّحيّ تناول الطَّعام ليتقوَّوا، خصوصًا أولئك الذين يتناولون الأدوية المرتبطة بأمراضهم المزمنة والذين هم في أوضاعٍ صحِّيَّةٍ خاصَّةٍ ودقيقةٍ، بالإضافة إلى المرضى الذين يَخضَعُون للاستشفاء الموقَّت أو الدَّوريّ. ومعلومٌ أنَّ الأولاد يَبدَأون الصَّوم في السَّنة التي تلي قربانتهم الأولى، مع اعتبار أوضاعهم في أيَّام الدِّراسة.
هؤلاء المعفيُّون من شريعة الصَّوم والقطاعة مدعوّون للاكتفاء بفطورٍ قليلٍ كافٍ لتناول الدواء، أو لمتابعة الدروس إذا كانوا تلامذةً وطلابًا. المعفيّون مدعوّون للتعويض بأعمال خير ورحمة ومحبّة.