يومًا بعد يوم يرتفع منسوب الاضطهاد بحقّ الجماعات المسيحيّة في نيجيريا، ومعه تزداد روحانية الاستشهاد في الأوساط الكنسيّة بالبلاد.
كان العام 2023 مليئًا بالصعاب بالنسبة إلى الأخ بيتر أولاريواجو، على سبيل المثال. وهو طالب ابتداء في دير البندكتيين بقرية إيروكو في أبرشية إيلورين. إذ اختُطِف مع شخصَيْن آخرَيْن من الدير. فتعرّض لمختلف أنواع التعذيب، كما شهد على مقتل رفيقه، الأخ غودوين إيزي.
وبعد إطلاق سراحه، وصف أولاريواجو عملية اختطافه بنعمة عززت إيمانه. حتى إنه أكّد استعداده للموت من أجل الإيمان. فقد قال في مقابلة بشهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مع «آسي أفريقا»، شريك إخباري لـ«آسي مينا» باللغة الإنجليزية: «أنا مستعد للموت شهيدًا في هذا البلد الخطير. أنا مستعد في أي لحظة للموت من أجل يسوع. واندفاعي هذا شديد». وكانت قد أُجريت المقابلة بعد أيام قليلة من إطلاق سراحه. واشتُبه يومها بأنّ منتسبين إلى ميليشيا الفولاني قد نفّذوا العمليّة.
ازدياد عمليّات الخطف
لكنّ شهادة الراهب المخطوف ليست استثنائية في البلاد. إذ ازدادت عمليات الخطف مستهدِفةً الإكليريكيات وأماكن التنشئة الأخرى. وفيما قُتِل كثيرون في إثر هذه العمليّات، أخبر الناجون عن ازدياد قوتهم واستعدادهم للموت من أجل إيمانهم.
أما الإكليريكي التنزاني ملكيور مهارني الذي اختُطِف مع كاهن من مرسلي أفريقيا (الآباء البيض) بأبرشية مينّا النيجيريّة الكاثوليكية في أغسطس/آب الفائت، فأشار إلى أنّ المعاناة التي تحمّلها لثلاثة أسابيع من احتجازه قد عززت إيمانه. وقال لـ«آسي أفريقا» في سبتمبر/أيلول الماضي: «شعرتُ بقوة إيماني تزهر. قبلتُ حالتي وسلّمتُ أمري لله».
حرق طالب إكليريكيّ
تعرض كثيرون من الإكليريكيين لعمليات خطف نفّذها مقاتلو بوكو حرام، وميليشيا الفولاني، ومجموعات لصوص.
ففي سبتمبر/أيلول الماضي، حُرق الإكليريكي نُعمان دانلامي حيًّا في عملية خطف فاشلة في أبرشية كافانشان. وقبلها بأيام قليلة، خُطِفَ الإكليريكي حزقيال نوهو من أبرشية أبوجا وهو ذاهب إلى قضاء عطلته في جنوب كادونا.
مع استمرار اضطهاد المسيحيين في نيجيريا، شارك منشّئو الإكليريكيات مع «آسي أفريقا» روحانية جديدة نشأت في معاهدهم. وقد يجد كثيرون صعوبة في استيعابها وهي: روحانية الاستشهاد.
ويقول المنشّئون إنّ السائرين على درب الحياة الكهنوتية في نيجيريا يفهمون اليوم أنّ استمرار دعوتهم يفترض الاستعداد للدفاع عن الإيمان حتى الموت. ويُذَكَّر الإكليريكيون، أكثر من أي وقت مضى، بواجبهم في مواجهة الاضطهاد، وبخاصة عمليات الاختطاف والقتل.
تقبّل حتميّة الموت
أشار الأب بيتر حسّان، رئيس إكليريكية القديس أغسطينوس في أبرشية جوس، إلى أنّ الإكليريكيات، كما المجتمع النيجيري، تقبّلت حتمية الموت من أجل الديانة المسيحية.
وقال في مقابلة مع «آسي أفريقا» بشهر يناير/كانون الثاني الحالي: «يتعرض المسيحيون النيجيريون للعنف بنسب مثيرة للقلق منذ نصف قرن تقريبًا. ويمكنني القول إننا تعلّمنا تقبّل حقيقة الموت الوشيك».
(تستمر القصة أدناه)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
ازدياد عدد الإكليريكيّين
لمس حسّان تعزية عندما رأى ازدياد عدد الشباب الملتحقين بالكهنوت، على الرغم من عملهم المحفوف بمخاطر التعرّض للاختطاف والقتل.
وأضاف: «يلهمني ويريحني عدد الشباب المستعدين لتبني نمط حياة قد يمحوهم من الوجود. هؤلاء الشباب أنفسهم على استعداد للتبشير بإنجيل السلام واعتماد ثقافة الحوار من أجل التعايش السلمي».
نعمة وجود المخطوفين
بعد وقت قصير من اختطاف الإكليريكي ننادي وقتله، كانت قد فتحت الإكليريكيّة المرؤوسة من حسّان أبوابها أمام الإكليريكيين الثلاثة الآخرين الناجين من الاختطاف.
وأخبر حسّان «آسي أفريقا» بأنّ وجود الطلاب الثلاثة السابقين من إكليريكيّة الراعي الصالح في إكليريكيّة القديس أغسطينوس اليوم تحوّل إلى نعمة حلّت عليهم.
الأكثر قراءة
1
2
3
4
5
وأوضح الكاهن أنّ الطلاب الثلاثة «أشبه بناقوس خطر ينذر بالواقع القاتم الذي لا يسلم فيه حتى الصغار من هؤلاء القتلة المتهوّرين».
وفي كلية الراعي الصالح، ظلّ الإكليريكيون صامدين. وازداد عددهم بشكل كبير حتى بعد عملية الاختطاف وقتل الإكليريكي ننادي عام 2020.
لا معنى للألم من دون يسوع
في مقابلة مع «آسي أفريقا»، أكّد الأب صموئيل كانتا ساكابا، رئيس إكليريكيّة الراعي الصالح، أنّ المنشّئين في المؤسسة الكاثوليكية التي تضمّ حاليًّا 265 طالبًا، يوضحون للطلبة أنّ الكهنوت في نيجيريا يعرّضهم لخطر الاختطاف أو القتل.
وزاد: «بصفتنا منشّئين، يتوجّب علينا مشاركة طلابنا الإكليريكيين بتجارب عملية أكاديمية وروحية وجسدية. فنشارك واقع الاضطهاد في نيجيريا معهم. لكن كي يفهموه، نربطه بتجارب يسوع. وبهذه الطريقة، نشعر بأنّ الأمر يصبح أسهل عليهم ليس للحصول على القوة لمواجهة الواقع فحسب، بل أيضًا لإيجاد معنى لمعاناتهم».
وتابع: «لا معنى للمعاناة إلا إذا ارتبطت بآلام يسوع. فالنبي أشعيا يذكّرنا بأنّنا "بجراحات يسوع شُفينا". كما يعلّمنا يسوع أنّ ما لم تسقط حبة الحنطة في الأرض وتمت، فستبقى وحيدة. ولكن عند سقوطها وموتها تعطي حصادًا وفيرًا. وهذه التعاليم تعمّق استعدادنا لمواجهة الاضطهاد».
درب الجلجة ومشروع الله
كما يشارك الأب ساكابا فرح الإكليريكيين الذين يتطلعون «للعودة إلى الله بطريقة مقدسة».
وأوضح: «لو مهما حدث، سنرجع جميعنا إلى الله. كم هو جميل أن نعود إلى الله بدرب مقدّس، بدرب التضحية. هذه القداسة هي قبول الصليب والألم. فقد قَبِل يسوع ألم الجلجلة، وقد أدّى هذا الأمر إلى قيامته. ينقّي الاضطهاد الفرد فيصبح بأفضل حال أمام الله. أعتقد أنّ هذه الهجمات هي مشروع الله، ولا يمكن لأي إنسان أن يوقف عمل الله».
ومع ذلك، قال مدير كلّية الراعي الصالح: «لا يخرج الناس هنا لوضع أنفسهم في مواقف محفوفة بالمخاطر. ولكن عندما تقع الواقعة، نستمدّ الشجاعة من تعاليم يسوع المسيح وتضحيته لمواجهة ما ينتظرنا».
وأكّد أنّ على الرغم من تبنّي «روحانية الاستشهاد» في تنشئة الكهنة بنيجيريا، فإنّ الاضطهاد في دول غرب إفريقيا يمثّل «حقيقة مُرّة».
نعمة الله في مواجهة المِحَن
أردف: «يصعب الاعتياد على الألم وعلى مسائل الموت. ويصعب التآلف مع الموت. ليس من أحد يختار الخطر بمجرد مشاهدته معاناة الآخرين. هذا ليس جزءًا من طبيعتنا. لكن عندما لا يوجد حلّ بديل، تتدخل نعمة الله لتقويتك في مواجهة هذا الموقف».
وكشف ساكابا أنّ منذ هجوم العام 2020 على إكليريكيّة الراعي الصالح، ساد جوٌّ من الشكّ في المؤسسة. وأفصح عن أنّ إطلاق سراح بعض الخاطفين الذين ألقي القبض عليهم في إثر الحادثة، قد أغرق الإكليريكيّة في «الخوف من المجهول».
وأضاف: «لم يكن الأمر سهلًا علينا منذ إطلاق سراح المجرمين. فقد وقعت الجماعة في حالة من الارتباك بسبب الضبابية السائدة. لا نعرف ما سيحدث بعد ذلك. لا نعرف متى سيأتون بعد ذلك أو ماذا سيفعلون بنا. لا نعرف من سيُختطف بعد».
وأردف: «لم يكن الأمر سهلًا، بخاصة في خلال الأيام القليلة التالية للحادثة. كانت القدرة على الصمود واضحة لدى أعضاء الإكليريكيّة بمن فيهم طلاب اللاهوت والمنشّئون والأعضاء العاملون. لقد دَعَمَنا الله وشجعنا وقادنا. فساعدتنا نعمته على الاستمرار في ممارسة شعائر إيماننا».
وأشار الكاهن النيجيري إلى أنّ الهجمات الجهادية، المستمرة في محيط الإكليريكيّة، تزيد الواقع سوءًا.
وختم مقابلته مع «آسي أفريقا» قائلًا: «كلّ هجوم يحدث خارج جماعتنا يذكّرنا بتجربتنا عام 2020. إنّنا مصدومون ورغم جروحاتنا العميقة، نرى أن الله قد قادنا».
تُرجِمَ هذا المقال عن «آسي أفريقا»، شريك إخباري لـ«آسي مينا» باللغة الإنجليزية، ونُشِر هنا بتصرّف.
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.
رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته
بعد تعرّضه لعملية خطف وتعذيب في نيجيريا، مع راهبَيْن آخرَيْن قُتِلَ أحدهما، روى الأخ بيتر أولاريواجو تفاصيل الحادثة إلى «آسي أفريقا»، شريك إخباري لـ«آسي مينا» باللغة الإنجليزية.
وقّع 29 مدافعًا بارزًا عن حقوق الإنسان رسالة مشتركة إلى مجلس الشيوخ الأميركي للضغط على وزارة الخارجية بغية إعادة اعتبار نيجيريا دولة «مثيرة لقلق خاصّ»، وذلك بسبب انتهاكات جسيمة تمسّ بحرية المعتقد في البلاد.