هنا يظهر دور الدولة والمسؤولين فيها، وهو خدمة المواطن بتأمين وسائل عيشه الكريم ونموّه الشخصيّ الشامل. كم يؤسفنا أن نرى شعبنا في لبنان في حالة الذلّ والفقر والتقهقر الاجتماعيّ اقتصاديًّا وماليًّا وترقّيًّا! ولا عجب، فدولتنا المبتورة الرأس أصبحت بمقدّراتها الكبيرة فريسة الفاسدين المعتدين عليها والعاملين بكلّ ما في وسعهم على عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة ليخلو لهم الجوّ والوقت الطويل لقضم مالها ومؤسّساتها، وإشاعة حالة من الفوضى تسمح للنافذين بتمرير ما هو غير شرعيّ، بواسطة فائض القوّة.
6. يعرب لنا أهالي القرى الحدوديّة في الجنوب عن وجعهم لتخلّي الدولة عنهم وعن واجباتها ومسؤوليّاتها تجاههم. فهم بكبارهم وصغارهم يعيشون وطأة الحرب المفروضة عليهم والمرفوضة منهم إذ يعتبرون أن لا شأن للبنان واللبنانيّين بها. ويكتبون إلينا: «نعيش ضغوط الحرب النفسيّة وتسحق أعصابنا أهوال الغارات اليوميّة وأصوات القذائف المدويّة. وأطفالنا محرومون من وسائل الترفيه ولا يتلقون تعليمًا مدرسيًّا منتظمًا إلا عن بُعْد بسبب الإقفال القسري لمدارسنا والذي فرضته الحرب الحاليّة». ويتابعون: «بإمكانكم أن تتصّوروا مدى الفشل والفوضى والإخفاق والقلق الذي يترتّب على هذا الواقع المرير، وتداعياته على المستقبل التعليميّ والنفسيّ لأولادنا...».
ويضيفون: «اسمحوا لي بأن أقولها بالفم الملآن -ليس تخلّيًّا عن القضايا الوطنيّة ولا العربية، بل انطلاقًا من صدقي مع ذاتي- أرفض أن أكون وأفراد أسرتي رهائن ودروعًا بشريّة وكبش محرقة لسياسات لبنانية فاشلة، ولثقافة الموت التي لم تجرّ على بلادنا سوى الانتصارات الوهميّة والهزائم المخزية».
إنّنا نسمعهم وقلبنا ينزف دمًا. ونعمل كلّ ما بوسعنا لمساعدتهم بجميع الوسائل بالتعاون مع ذوي الإرادات الحسنة.
7. لسنا نفهم لماذا تبقى الدوائر العقارية في جبل لبنان مقفلة، بحجة توقيف بعض موظفيها وتتعطّل أعمال المواطنين ولا تدخل الأموال الصافية إلى الخزينة في دولة مفلسة! إنّنا نطالب وزارة المال بمعالجة التقصير الفادح في تسيير أمور الدوائر العقارية المعطّلة في جبل لبنان وحده منذ ما يزيد على السنة حتى الآن بما يحرم الخزينة من عائدات طائلة وينذر بتمدّد وضعيات غير قانونية في ظلّ الشغور الرئاسيّ وعدم الانتظام العام. لماذا أيّها المسؤولون في الدولة تهدمون مؤسسات الدولة عمدًا؟ ولصالح من؟ ولأيّ هدف أو مشروع؟
8. أمّا قضيّة العمّال فتبقى في صلب رسالة الكنيسة. وقد عالجها بشكل رسميّ كامل سعيد الذكر البابا لاوون الثالث عشر في رسالته العامّة الشهيرة «الشؤون الجديدة» التي أصدرها في 15 مايو/أيّار 1891. فكانت الوثيقة الأساس في تعليم الكنيسة الاجتماعيّ بحيث أصدر البابا بيوس الحادي عشر بعد أربعين سنة رسالته العامّة في 15 مايو/أيّار 1931، ثمّ القدّيس البابا بولس السادس الذي أطلق رسالته بعد مرور ثمانين سنة أي في 15 مايو/أيّار 1971، وأخيرًا القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني بعد مرور 90 عامًا أي عام 1981 بعنوان «ممارسة العمل».
على أساس هذا الخط تُعنى البطريركيّة مباشرةً بدعم ما يؤول لخير العمّال في القطاعَين العام والخاصّ. فتُبارك ما يفعله الاتحاد العمّالي العام بالشكل العادل والمنصف، في ما يختصّ بالتعويضات ورفع الحدّ الأدنى للأجور، وفقًا لحالات العاملين. ونعرب عن تقديرنا لما حقّقه هذا الاتحاد من إنجازات لصالح العمّال.
9. نرفع صلاتنا اليوم كي يمنحنا الله نعمته حتى نرى وجه المسيح في وجوه «الإخوة الصغار»، ونخدمه فيهم بكلّ محبّة وخشوع. له المجد إلى الأبد، آمين.
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.