تحتضن بيروت الليلة جميع الطوائف المسيحية لترنّم معًا وتسبّح الربّ بالقيثارة والمزمار. 400 حنجرة تصدح في إطار الحدث المسكوني في الفوروم دي بيروت، فترتفع الترانيم إلى الأعالي صلاةً على نيّة السلام لعاصمة لبنان والشرق الأوسط.
بعفويّةٍ راح المحامي مارك مرهج، ابن الـ29 ربيعًا، ينظّم هذا الحدث الضخم. وقد استغرق التحضير سنتين وبضعة أشهر، إذ جمع مرهج 27 راعيًا من طوائف مختلفة و400 حنجرة لترنّم بـ11 لغةً.
وجالس البطاركة والمطارنة والقساوسة من جميع الطوائف المسيحية لإطلاعهم على مبادرته التي تهدف إلى جمع المسيحيّين من مختلف الطوائف في لبنان لتسبيح الربّ.
لمزيد من التفاصيل عن الحدث، التقت «آسي مينا» مطران أبرشية أنطلياس المارونية وكاهن رعية مار الياس عين عار الأسبق، أنطوان بو نجم.
كيف بدأت مبادرة الحدث المسكونيّ الموسيقيّ؟
في أبريل/نيسان 2021، أعرب مارك لكاهن رعيّته آنذاك الأب أنطوان بو نجم (قبل رسامته مطرانًا بيوم واحد) عن رغبته في جمع الطوائف المسيحية لتسبيح الربّ تحت سقفٍ واحد. وما كان ردّ الأب أنطوان إلّا إيجابًا، إذ قال: «فلنباشر بالمشروع. وإن كانت الطريق سهلة، فسنعتبر ذلك إشارةً من الربّ ونستمرّ. ولكن في حال وجود عراقيل سنتوقّف مُعتبرين ذلك أيضًا علامةً من الله». وهكذا بدأ مارك مشواره بمقابلة رجال الدين وامتحان الأفراد لدخول الجوقة. ثمّ انتقل الخبر مشافهةً بين المؤمنين وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.
كان هدف مارك جمع المسيحيين كافة لإيقاظ الروح القدس في الجميع أي: الإداريّ، والمحامي، والمدير، والكاتب، والفنان، والعامل. فعُقدت جلسات تدريب دورية في كنائس بيروت، إلا أنّ هذه الاجتماعات لم تخلُ من بعض الصعاب. وهنا يقول بو نجم: «حاول رجال الأمن منع الجوقة من دخول الكنائس في وسط المدينة، ولكن سرعان ما جاء الحل لهذه المشكلة».
ونجح المحامي الشاب في جمع المؤمنين على امتداد الأراضي اللبنانية. من تنورين ودوما وكسروان والمتن وصيدا وزحلة وقب الياس جاء كثيرون واجتمعوا في بيروت على مدار سنتين ليعدّوا في العام 2023 لهذا اللقاء في إطار أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين.
وعن تمويل المبادرة، أجاب بو نجم: «قدّم مارك وقته واعتمدنا على تبرّعات الأصدقاء والمعارف لإنجاح المشروع. كما قدّم لنا إيلي زرد أبو جودة إيجار الفوروم دي بيروت. لو توجّهنا إلى مموّل واحد، لبدا الأمر أسهل بالطبع، لكنّنا أردنا الاعتماد على "فلس الأرملة" وعمل الروح القدس». وعوّل مارك أيضًا على «اللحم الحيّ» لتغطية تكاليف النقل من مختلف المناطق اللبنانية وضمان حصول تدريب دوري في بيروت.
ما هي عجائب الروح القدس التي يسّرت المشوار؟
استشارة بسيطة طلبها مارك من المطران تحوّلت إلى حدث مسكونيّ موسيقيّ يجمع مسيحيّي لبنان في العاصمة بيروت. ولم يتوقّف الروح القدس عن العمل لإنجاح إعدادات الحدث بأعاجيبه الكبيرة والصغيرة. وبابٌ واحدٌ لم يُغلق أمام مارك وهو يُعدّ الترتيبات كما أشار بو نجم. وأضاف: «تتجلّى أعمال الروح القدس أوّلًا بمارك. ذاك الشاب الذي يقود جوقة بلدة عين عار ولم يختبر قيادة جوقة كبيرة. أمّا اليوم فهو قائد جوقةٍ تتألّف من 400 شخصٍ». وعن مجموعة المُرتّلين، تابع: «لم ينتمِ جميعهم إلى جوقاتٍ رسميّة، لكنّهم دعوا الروح القدُس ليسبّحوا الله بنغمةٍ واحدة. وكما في أشعياء 11: 2 حلّ عليهم "روح الربّ، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الربّ"».
كيف تتجلّى الروحانيّة المسكونيّة اليوم؟
في أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنائس الذي أطلقه البابا فرنسيس، استطاع مارك مرهج بمساعدة أبرشية أنطلياس المارونية وصل الإيمان بالأعمال. فصلّى المسيحيون بغضّ النظر عن طوائفهم مع بعضهم بعضًا.
وعن الروحانية المسكونية ووحدة الكنائس، ختم بو نجم: «المؤمنون يعيشون الوحدة. والخطوة المُقبلة تعوّل على اندفاع قادة الطوائف المسيحيّة. إذ إنّ يسوع بنفسه صلّى إلى الآب من أجل تلك الوحدة في يوحنّا 17: 11 "أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ، احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ"».