1. تحتفل الكنيسة اليوم بعيد معموديّة يسوع بوجهَيها: الوجه الأوّل، ظهور يسوع في ألوهيّته، ويُسمّى بحسب اللفظة السريانيّة «الدِنْح». الوجه الثاني، نزول يسوع في ماء نهر الأردنّ وقبوله المعموديّة من يوحنّا، ويُسمّى «الغطاس».
يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا، وبخاصّة بمؤسّسة L’Œuvre d’Orient والمؤسّسات، والشبيبة والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة، وطلّاب المدارس وإداراتها، شبيبة كاريتاس، شبيبة البطريركية، الذين أحيوا «اليوم العالميّ للفقير» الأحد 19 أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، في هذا الكرسيّ البطريركيّ. وقد شارك فيه أكثر من عشرة آلاف شخص. صلّينا معًا، وعشنا جمال التضامن معًا، وأطلقنا صرخة إلى المسؤولين معًا، وتناولنا مائدة المحبّة معًا.
ويسعدنا أن نحتفل معًا بهذا العيد الذي نختتم به الأعياد الميلاديّة ونعود إلى بيوتنا حاملين بركة الماء المقدّس الذي يتمّ تكريسه في هذه الليتورجيا الإلهيّة، ذاكرين أنّ الربّ يسوع بنزوله إلى نهر الأردنّ ليعتمد على يد يوحنّا، قدّس مياهه.
2. عيد الدنح هو ظهور يسوع في ألوهيّته حاملًا رسالة الخلاص لجميع الشعوب ومن دون حدود. إنّه سرّ الميلاد نفسه الذي أعلنه الملاك لرعاة بيت لحم كبشرى فرح للعالم كلّه، لأنّه عيد ميلاد المخلّص لجميع الناس (لو 2: 10-11)، وكنور سطع في ظلمات العالم. كان المسيحيّون يعيّدون الميلاد والدنح معًا في 6 يناير/كانون الثاني، وما زالت بعض الكنائس تحافظ على هذا التقليد، مثل الأقباط الأرثوذكس والأرمن الأرثوذكس وسواهم. أمّا الكنيسة الكاثوليكيّة ففصلت الميلاد عن الدنح، وجعلته في 25 ديسمبر/كانون الأوّل ليحلّ مكان إله «الشمس» الوثنيّ، ليكون المسيح هو شمس العالم الجديد.
لقد تنبّأ أشعيا على إشراقة هذا النور على أورشليم المظلمة، ومن خلالها على العالم كلّه: «قومي استنيري فإنّ مجد الربّ أشرق عليكِ. ها إنّ الظلمة تُغطّي الأرض ... ولكن عليكِ يشرق الربّ وعليكِ يتراءى مجده. فتسير الأمم في نورك» (أش 60: 1-3). تختصّ نبوءة أشعيا بأورشليم الجديدة التي هي الكنيسة. إنّها مدعوّة بكلِّ أبنائها وبناتها ومؤسّساتها ليقبلوا هذا النور بالإيمان، ويحملوه إلى الآخرين بالمحبّة، وشهادة الحياة وإعلان الإنجيل. نور الربّ أقوى من جميع ظلمات الحياة الشخصيّة والعامّة، وأقوى من ظلمات الحقد والبغض والكبرياء والغطرسة المؤدّية إلى الحروب والنزاعات، لأنّه نور كلمة الإنجيل الداعية إلى الأخوّة والسلام، ونور شهادة الحياة.
3. عيد معموديّة يسوع يذكّرنا بمعموديّتنا، فنعود بإدراك إلى مواعيدها، وإلى ما أجرت فينا يوم قبلناها. لقد أحدثت فينا الولادة الجديدة من الماء والروح القدس. ففيما يُغطّس الجسد في الماء ثلاث مرّات، يغطِّس الروح القدس النفس في المسيح، لكي تنال مغفرة الخطايا، وتسطع بالنور الإلهيّ. ولهذا كان يُدعى المعمّدون «المستنيرين». بفعل الروح القدس، تجعلنا مياه المعموديّة نغوص في موت المسيح المخلّص وقيامته، فنُغرق في جرن المعموديّة الإنسان القديم المُسيطرة عليه الخطيئة التي تفصله عن الله، ويلدنا الروح القدس إنسانًا جديدًا (البابا فرنسيس).