ثمّ ارتسم مشهد مذهل، إذ خرج الجنود الألمان والبريطانيون من خنادقهم وتوجّهوا نحو «أرض اللاأحد» من دون سلاح لتبادل الهدايا من طعام وشراب وحتّى القبعات والأزرار كتذكارات. كما سمحت الهدنة للطرفين باستعادة جثث قتلاهم وإقامة مراسم دفن مشتركة.
البابا يتوسّط ولكن!
في 7 ديسمبر/كانون الأوّل 1914، وجّه البابا بنديكتوس الخامس عشر نداءً إلى القوى المتحاربة للتوصّل إلى هدنة في عيد الميلاد، طالبًا «أن تصمت المدافع على الأقلّ في الليلة التي غنّت فيها الملائكة»، لإفساح المجال أمام مفاوضات السلام. قوبِل هذا النداء بتجاهل رسميّ، ولكن حدثت هدنات غير رسمية وعشوائية وغير معلَنة على أجزاء من الجبهة الغربية. هذه الهدنات تعكس روح الأمل والإنسانية التي سعى البابا بنديكتوس الخامس إلى ترويجها من خلال مبادراته ورسائله.
كما كان البابا بنديكتوس الخامس عشر قد وصف الحرب بـ«انتحار أوروبا المتحضّرة». وركّز على الجهود الإنسانية لتخفيف تأثيرات الحرب، مثل رعاية أسرى الحرب وتبادل الجنود الجرحى وإيصال الطعام إلى السكّان المحتاجين في أوروبا. هذه الجهود كانت جزءًا من نهجه الشامل لمعالجة الأزمات الإنسانية التي نجمت عن الحرب العالمية الأولى.
تمثّل هدنة عيد الميلاد مثالًا حيًّا لكيفية تغلّب الإنسانية على الانقسامات والصراعات. وفي ظلّ الحروب والمآسي التي تعيشها مناطق كثيرة راهنًا، يحتاج العالم اليوم إلى أكثر من هدنة ميلاديّة.
صحافيّة وباحثة لبنانيّة، مجازة في الصّحافة ودراسات عليا بالأمن الدولي، مختصّة بشؤون الأقليات في الشرق الأوسط.