بكركي, السبت 23 ديسمبر، 2023
في لبنان الذي يعيش شغورًا في رئاسته المسيحيّة الأولى، يبقى الأمل قائمًا والرجاء حاضرًا. وعشية عيد ميلاد يسوع المخلّص، صلوات ورسائل بأن يحمل هذا الميلاد معه للشعب تجدّدًا روحيًّا واستقرارًا على مختلف الصُّعُد. هذا ما ينشده البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي في غير مناسبة وعظة، وهذا ما حملته رسالته الميلادية هذا العام.
فقد وجّه الراعي، من كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، رسالة الميلاد إلى اللبنانيين جميعًا والمسيحيين خصوصًا مقيمين ومنتشرين، بمشاركة عدد من المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والراهبات من مختلف الطوائف الكاثوليكية وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
جاء في الرسالة التي حملت عنوان: «الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا» (أشعيا 9: 1، متى 4: 16). هذه النبوءة لأشعيا النبي ذكرها الإنجيليّ متّى عندما بدأ يسوع رسالته العلنيّة في الجليل، وفي قلبه غصّة بسبب القبض على يوحنّا المعمدان، وزجّه في السجن. يومها أعلن الربّ دعوته العامّة: «توبوا، لقد اقترب ملكوت السماء». فكانت دعوته هذه بمثابة شهب من نور قويّ اخترق الظلمات، بحسب نبوءة أشعيا: «الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا، والجالسون في بقعة الموت وظلاله، أشرق نورٌ عليهم" (راجع متى 4: 12-17). هذا الشعب هو الناس أجمعون الذين يهيمون، بإرادتهم أو رغمًا عنهم، في ظلمات الحياة الماديّة والروحيّة والمعنويّة. وهي ظلمات الفقر والجوع والحرمان؛ ظلمات الخطيئة والشرّ والظلم والكبرياء؛ ظلمات التزوير وسرقة المال العام؛ ظلمات اليأس والإحباط والضياع؛ ظلمات الاستبداد والاستقواء؛ ظلمات الفساد السياسيّ والمالي والأخلاقيّ؛ ظلمات الاستعباد لأصنام النفوذ والسلطة والسلاح والمال.
وأضاف الراعي: «على هؤلاء الناس أشرق نور عظيم، هو نور متجسّد اسمه يسوع المسيح، وقد أشرق بمجد ألوهيّته وتواضع بشريّته على رعاة بيت لحم الأميّين الساهرين على مواشيهم في هجعات الليل (لو 2: 8-9). وأشرق على رجال العلم الفلكيّ في المشرق، عبر قراءة حركة النجوم، فأدركوا أنّ المولود في بيت لحم "ملك جديد"، وقد اقتادهم نجمه إليه (متى 2: 1-2). جديد هذا الملك، كما كشفه نوره العلميّ لعقولهم، أنّه ملك وإله وفادٍ، فقدّموا له الهدايا الرمزيّة اللّائقة الثلاث: الذهب للملك، والبخور للإله، والمرّ لحنوط الكاهن الذبيح. هو المسيح-النور يجمعنا كما في كلّ سنة بلقاء ينظّمه اتّحاد الرؤساء العامّين والرئيسات العامّات والإقليميّين والإقليميّات، لنصلّي معًا ونتبادل التهاني بعيد الميلاد والسنة الجديدة 2024، بمشاركة السادة المطارنة في الكرسي البطريركيّ والآتين من أبرشيّاتهم، وكهنة ورهبان وراهبات. ونوجّه تحيّة شكر إلى قدس الأب مارون مبارك على الكلمة ، الرئيس العام لجمعيّة الآباء المرسلين اللبنانيّين الموارنة، على الكلمة اللاهوتيّة والروحيّة التي ألقاها باسمكم. وإنّا نحمل في صلاتنا أهلنا في جنوب لبنان الذين يعانون حربًا فُرضت عليهم ولا يريدونها، ولا أحد منّا ومن اللبنانيّين يريدها. فنعلن قربنا منهم وتضامننا معهم، كذلك مع أهل قطاع غزّة المفروضة عليهم حرب إباديّة جماعيّة، حصدت من دون شفقة في آخر إحصاء 18 ألف فلسطينيّ، 70 % منهم من النساء والأطفال، واقترب عدد الجرحى من 50 ألفًا، وبلغ عدد المفقودين تحت الأنقاض 8 آلاف بين قتلى ومن ينتظر الإنقاذ، وجرى تهجير مليون و800 ألف فلسطيني قسرًا، وتحولّت أحياء قطاع غزّة إلى أنقاض. إنّنا ندين أشدّ الإدانة هذه الحرب الإباديّة الوحشيّة ونصلّي إلى الله من أجل هؤلاء الإخوة المنكوبين، ونناشد الأمم المتّحدة ومجلس الأمن إيقاف هذه الحرب، رجمةً بالمدنيّين الأبرياء. فبالحرب لا يربح أحد بل الجميع خاسرون».