باكتساب هذا النموذج المثلّث نستعدّ أحسن استعداد لعيد الميلاد. لكي يولد المسيح في قلوبنا، كما يعلّمنا القدّيس مكسيموس المعترف: «وُلد كلمة الله مرّة واحدة بحسب الجسد. ولكنّه بحبّه للبشر يودّ أن يولد باستمرار بالروح في الذين يحبّونه. يصبح طفلًا صغيرًا، ويتكوّن فيهم مع الفضائل. ويظهر بمقدار ما يتّضح له أنّ من يقبله جدير به».
من خلال هذا البُعد لميلاد ابن الله في كلّ مؤمن ومؤمنة يحبّه وتحبّه، نفهم كلمة الرسول في الرسالة إلى العبرانيين: «يسوع المسيح هو هو، أمس واليوم وإلى الأبد» (عب 13: 8).
6. هذا الكلام ليس محصورًا بفئة من الناس، بل هو موجّه إلى كلّ إنسان، ولا سيما إلى الذين يتعاطون الشأن العام، والمسؤوليّة السياسيّة والمدنيّة. فهؤلاء إذا وُلد المسيح في قلوبهم، تغيّرت أفكارهم ونواياهم ومشاعرهم نحو كلّ ما هو حقّ وخير وجمال، يؤمّن الخير العام في الدولة والمجتمع.
وعليه نودّ أن نشكر الله معكم على أنّه جنّب لبنان بالأمس خطر أزمة سياسيّة وأمنيّة، بالقرار الذي اتّخذه مجلس النواب إذ «مدّد لقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنيّة لمدّة سنة».
هكذا ظهرت الإرادة الحسنة التي ترفّعت عن المصالح الشخصيّة والفئويّة، وتطلّعت حصرًا إلى «المصلحة الوطنيّة العليا»... هذه المصلحة الوطنيّة هي تجنّب الفراغ المميت في قيادة الجيش؛ الصمود الفطن بوجه الاعتداءات الإسرائيليّة اليوميّة المسلّحة والمستمرّة على قرى الجنوب اللبناني؛ تثبيت وحدة الجيش وثقته بنفسه وبقيادته؛ تجنّب أيّ زعزعة في صفوفه بداعي التغيير، وفقًا للقاعدة الذهبيّة: «الشريعة للإنسان، لا الإنسان للشريعة».
وقد عبّرت عن مشاعر الشعب اللبناني الكلمة التي افتتح بها رئيس مجلس النواب عمليّة التصويت على القانون الرامي إلى التمديد لرتبة عماد أو لواء إذ قال: «كلّ اللبنانيّين بلا استثناء هم مع الجيش اللبنانيّ، وما حدا يزايد على الثاني».
7. كم نودّ ونصلّي كي تستمرّ هذه الإرادة الحسنة لدى أعضاء المجلس النيابي فيدركون أنّ «لا دولة من دون رئيس»، كما أبان رئيس المجلس الدستوري سابقًا الدكتور عصام سليمان في مقال بهذا العنوان (النهار، 7 كانون الأوّل 2023)، فيلتئم المجلس النيابي سريعًا وينتخب رئيسًا للدولة الذي من دون السلطة المناطة به لا ينتظم أداء المؤسّسات الدستوريّة، ولا يتحقّق الانتظام العام، فتفقد السلطة مبرّر وجودها (المادّتان 49 و50 من الدستور).
فالدولة وُجدت ككيان سياسيّ وحقوقيّ من أجل الحفاظ على الوطن وتنظيم شؤونه بما يوفّر الأمن والاستقرار والعيش الكريم لأبنائه. هذه هي المصلحة الوطنيّة العليا التي لا تعلوها أي مصلحة، والتي تتحقّق من خلالها المصالح الخاصّة للمواطنين وللفئات التي يتكوّن منها الوطن. ولذلك لا غنى عنها، ولا يجوز التفريط بها لحساب أي مصلحة أخرى (المرجع نفسه).
فليدرك نوّاب الأمّة أنّ الفوضى السياسيّة العارمة، واستباحة خرق الدستور نصًّا وروحًا، والنزاعات الداخليّة، والانقسامات على حساب الدولة والمواطنين لا يمكن إزالتها إلّا بوجود رئيس للدولة ذي كفاية ونزيه ونظيف الكفّ، لا يهتمّ إلّا بالمصلحة الوطنيّة العليا. فلا يساوم عليها، بل يضعها فوق أي اعتبار (المرجع نفسه).
8. فلنصلِّ، أيّها الإخوة والأخوات، على هذه النيّة بشفاعة القدّيس يوسف البتول والعائلة المقدّسة، سائلين الله أن يحقّق هذه النوايا من جودة رحمته، له المجد والشكر، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين!
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.