فالجمع الذي اصطحب يسوع إلى أورشليم حين أقام لعازر من القبر، وهم يهود شاهدوا الآية، يمثّلون الكنيسة المنفتحة عليهم أوّلًا، وفق التصميم الإلهيّ. والجمع الذي خرج لاستقباله وهم من مختلف المناطق والبلدان بمن فيهم وثنيّو اليونان، يمثّلون الكنيسة المنفتحة لتشمل الجميع. والقرار الذي اقترحه قيافا، رئيس الكهنة في تلك السنة، بقتل واحد، يسوع، ولا تهلك الأمّة كلّها، يمثّل الكنيسة التي توحّد وتجمع (يو 11: 51-52).
3-واليوم في عيد الشعانين، "نصل إلى الميناء"، بعد رحلة الصوم والصلاة والتوبة وأعمال المحبّة، التي دامت ستّة أسابيع. هذا الوصول الذي نحتفل به مساء اليوم هو انطلاق دائم مع المسيح، فنعبر معه صعودًا روحيًّا من موت الخطيئة والإنسان العتيق، إلى قيامة الحياة والإنسان الجديد، وصعودًا على مثاله نحو "الحبّ حتى النهاية" (يو 13: 1).
4-يسعدنا أن نحتفل معًا ونهنّئ بعيد الشعانين الذي هو عيد العائلة حول أطفالها. فالأطفال أنشدوا بعفويّة نبويّة ملوكيّة يسوع. فحملوا أغصان النخل المخصّصة لاستقبال الملوك، وأغصان الزيتون للدلالة أن يسوع هو ملك السلام. ولذا، عندما اغتاظ الفريّسيّون، وطلبوا من يسوع أن يأمرهم ليسكتوا، أجاب: “إذا سكت هؤلاء الأطفال، صرخت الحجارة” (لو 19: 40). نرجو أن يكون العيد مباركًا، وفاتحة خير عليكم وعلى أطفالكم الذين يعيشون، وهم أبرياء، في الفقر والحرمان والعوز، بسبب الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة، التي تسبّب بها الكبار من المسؤولين السياسيّين.
5-في كلّ حال ظهرت في هذا الأسبوع تباشير ثلاثة هي: إعلان زيارة قداسةِ البابا فرنسيس للبنان في حزيران المقبل؛ الاتّفاقُ المبدئيُّ مع خبراءَ صندوقِ النقدِ الدُولي؛ عودةُ سفراءَ الدولِ الخليجيّةِ إلى لبنان. وإذ تأتي هذه الخُطوات الإيجابيّةُ بينما تَحصُل تطوّراتٌ مهمةٌ على الصعيدين الإقليميِّ والدُوليّ، نأمل أن تستفيدَ منها الدولةُ اللبنانيّةُ وُتوظّفُها في الإطارِ الوطنيِّ دون سواه.
إنّ زيارة قداسةِ البابا فرنسيس، تأتي في سياقِ سعيِّ الكُرسي الرسوليِّ إلى مساعدةِ لبنان للخروجِ من أزْمتِه العميقة، وإبقائِه بين منظومةِ الأممِ الديمقراطيّة. وهي تُكمِّلُ سلسلةَ الزياراتِ البابويّةِ التي قام بها تباعًا القديس البابا بولس السادس في طريقه إلى الهند سنة 1964، والقديس البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1997 لتوقيع إرشاده الرسوليّ "رجاء جديد للبنان"، والبابا بِنديكتوس السادس عشر سنة 2012. تُشكّل زيارةُ البابا فرنسيس بركةً للشعبِ وأملًا للوطن ومنبّهًا للمسؤولين. فالبابا حريصٌ على أن يَتمتَّعَ لبنانُ بحوكمةٍ رشيدةٍ وبجماعةٍ سياسيّةٍ تَضع الصالحَ العامَّ فوقَ كلِّ اعتبار. وهو مدرك بالتقصيرَ الحاصلَ في التصدّي بجرأة وجِدّيةٍ لقضايا الشعب، وبالتردّدَ في تجاوبِ الدولةِ مع المساعي الدُولية. إنّنا ندعو اللبنانيّين للاستعداد نفسيًّا وروحيًّا لاستقبال قداسته بالفرح والرجاء.
بالنسبة إلى الاتّفاقِ المبدئيّ بين لبنان وصندوقِ النقدِ الدُوليّ، فإننا ننتظر من الحكومة ومجلس النواب الإسراع في إقرارِ القوانينِ التطبيقيّة لهذا الاتّفاقِ ولإجراء الإصلاحاتِ المتّفق عليها كأساس وشرط للحصول على المال اللازم. وفيما نَتطلّعُ إلى إصلاحاتٍ تَضمَنُ مصلحةَ اللبنانيّين لاسيّما المودِعين، وتَحمي خصوصيّاتِ النظامِ الاقتصاديِّ اللبنانيِّ الحرّ، وتعبّر عن جدّية الدولة اللبنانيّة ومصداقيّتها، نأمل بالمقابل أن ترتفع قيمة الـثلاثةِ ملياراتِ دولارٍ المُقسَّطةٍ على أربعِ سنوات، لكونها لا تتناسبُ مع الفَجْوةِ الماليّةِ ومع الحاجاتِ الاقتصاديّةِ والمعيشيّةِ والاجتماعيّة.