5. ويؤكّد قداسة البابا فرنسيس في رسالته: «أنّ الرجاء نور يضيء في الظلمة». فيتّخذ صورة سبت النور، ومثال أمّنا مريم العذراء.
فسبت النور هو «يوم الرجاء». وهو أرض صلدة بين الجمعة العظيمة وأحد القيامة، بين إحباط التلاميذ والفرح الفصحيّ. هذا هو «المكان» الذي فيه يولد الرجاء. تتذكّر الكنيسة في هذا اليوم نزول المسيح الصامت إلى الجحيم ليقيم الأموات. هكذا يقول قداسة البابا: ربّنا لا يكتفي بنظره الرحوم إلى مساحات موتنا وآلامنا أو بمناداتنا من بعيد، بل يدخل في صميم اختباراتنا للجحيم كنور يسطع في الظلمات ويبيدها (يو 1: 5).
ويتّخذ قداسته مثال رجاء مريم العذراء. فعلى الجلجلة ظلّت «ثابتة في الرجاء على غير رجاء» (روم 4: 18). فلم تسمح بأن ينطفئ في قلبها اليقين بالقيامة التي أعلنها ابنها. وهكذا مريم ملأت صمت سبت النور بانتظار محبٍّ مملوءٍ رجاءً، استكمالًا لوقوفها عند أقدام الصليب. فزرعت في نفوس التلاميذ اليقين بأنّ يسوع سينتصر على الموت، وبأنّ الكلمة الأخيرة لن تكون للشرّ بل للقيامة. إنّها حقًّا «امرأة الرجاء» وأمّ الرجاء.
6. رجاؤنا المسيحيّ، متجذّر في الإيمان بأنّ الله لن يتركنا أبدًا لوحدنا، بل يحفظ وعده واضعًا على لساننا كلمة صاحب المزامير: «حتى ولو سلكت في وادي ظلال الموت، لن أخاف سوءًا، لأنّك معي» (مز 23: 4). هذا الرجاء المسيحيّ ليس انتفاء الألم والموت، بل هو احتفال بمحبّة المسيح القائم من الموت، والذي هو دائمًا معنا، حتى عندما يبدو لنا بعيدًا. فهو لنا نور الرجاء الكبير، الهادي في ليلنا، لأنّه «نجمة الصباح الساطعة» (الإرشاد الرسولي المسيح يحيا، 33).
فنشكر الله على الهدنة الإنسانيّة لأربعة أيّام في غزّة والتي بدأت صباح الجمعة الماضي. ونرجو أن تصبح بهمّة أصحاب الإرادات الحسنة وقفًا دائمًا للنار، وبدايةً لحلّ المشكلات بالتفاوض، ونحن نصلّي ونشكر الله على وقف التوتّر في جنوب لبنان والعودة إلى الحياة الهادئة. فيكفينا قتلًا وتدميرًا وتهجيرًا!
7. والآن نتساءل: أين الرجاء في حياة اللبنانيّين؟ إنّ المسؤول الحقيقيّ الذي يدرك واجب المسؤوليّة هو الذي يزرع الرجاء في قلوب المواطنين صغارًا وكبارًا، وينتزع كلّ يأس وإحباط وكفر من قلوب المواطنين. أهكذا يفعل المسؤولون عندنا والنافذون؟ بكل أسف كلّا. فنقول لهم: ضعوا أمام أعينكم مسؤوليّة زرع الرجاء في قلوب جميع المواطنين اللبنانيّين، من خلال التجرّد من مصالحكم الشخصيّة والفئويّة والطائفيّة، فتستعيد العائلة الوطنيّة اللبنانيّة جمال عيش وحدتها في التنوّع، والعيش معًا مسيحيّين ومسلمين بالاحترام المتبادل والتعاون والاغتناء من الثقافات الخاصّة.
نحن لا نقبل، أيّها المسؤولون السياسيّون، أكنتم في الحكم أم خارجه، بأن تتمادوا بانتزاع الرجاء من نفوس الشباب، ومن قلوب قوانا الحيّة، وإقحامهم في الهجرة كأنّكم تتفادون قيادتهم الرشيدة في المستقبل، مثل خوف هيرودس من ولادة الطفل يسوع والديكتاتوريّين.
8. لا نقبل مواصلة انتهاك الدستور وتحديدًا المادة 49، على حساب قيام الدولة والمؤسّسات، وأنتم لا تنتخبون عمدًا رئيسًا للجمهوريّة منذ سنة وشهر، والأوضاع الإقليميّة الدقيقة للغاية تفرض وجود حماية للدولة، والرياح تتّجه إلى ترتيبات في المنطقة! فلا نقبل رهن انتخاب الرئيس لشخص أو لمشروع أو لغاية مرتبطة بالنفوذ .
لا نقبل حرمان الدولة رأسَها، ولا نتائجَ الحرمان. تنصّ المادّة 49 على أنّ رئيس الجمهوريّة هو «رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن». فلما حوّل اتفاق الطائف رئيس الجمهوريّة من رئيس للسلطة الإجرائيّة، التي أناطها بالحكومة مجتمعة، إنّما أراده رئيسًا للدولة بأرضها وشعبها ومؤسّساتها، جميع مؤسّساتها، ولا سيما المؤسّستين الأساسيّتين: مجلس النواب ومجلس الوزراء، لجهة ضبط تناسق عملهما، ولجهة مسؤوليّته عن علاقاتهما، فهما جناحا الدولة، وتناغمهما واجب وفقًا للأصول وهو المسؤول عن هذا التناغم، والمهمّة هذه تأتي تحت باب احترام الدستور. فلا نقبل، ولو ليوم واحد، تغييب الرئيس، وبالتالي فوضى الحكم، وكثرة الرؤوس، ومرتع النافذين (ألبير منصور: الانقلاب على الطائف، ص 82).
نحن لا نقبل محاولات المسّ بوحدة الجيش واستقراره والثقة بنفسه وبقيادته، لا سيما أنّ البلاد وأمنها على فوهة بركان. ينصّ الدستور في المادّة 49 على أنّ «رئيس الجمهوريّة هو القائد الأعلى للقوّات المسلّحة». فكيف يجتهد المجتهدون لتعيين قائد للجيش وفرضه على الرئيس العتيد؟ اذهبوا فورًا إلى الأسهل وفقًا للدستور، وانتخبوا رئيسًا للجمهوريّة، فتنحلّ جميع مشكلاتكم السياسيّة، وتسلم جميع مؤسّسات الدولة. ولقد أُسعدنا، صباح الخميس الماضي، بزيارة وفد المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى برئاسة نائب رئيس المجلس الشيخ علي الخطيب، وعلى الأخص بتصريحه بشأن انتخاب رئيس للجمهوريّة، وبشأن مؤسّسة الجيش. ذلك أنّنا نتكلّم لغة واحدة، لأنّنا لا نتكلّم سياسيًّا بل وطنيًّا، ولأنّنا لا ندخل في تقنيّات العمل السياسي بل في أخلاقيّته على قاعدة الفصل بين الخير والشرّ.
9. فلنجدّد أيّها الإخوة والأخوات، رجاءنا بالله، لأنّ هذا الرجاء لا يخيّب فهو نابع من قلب الله، له كلّ مجد وتسبيح وشكر، الآن وإلى الأبد، آمين.
(تستمر القصة أدناه)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.