أكّد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي «سوء الممارسة السياسيّة، ولا سيما في المؤسّسات الدستوريّة وعلى الأخصّ في المجلس النيابي الذي لا يضطلع عمدًا بواجبه الأوّل والأساس وهو انتخاب رئيس للجمهوريّة، ويغيّب السلطة العليا في البلاد منذ سنة. فيتعثّر هذا المجلس ويفقد مسؤوليّته في التشريع والمحاسبة والمساءلة».
وأضاف: «كذلك في حكومة تصريف الأعمال المنقسمة على ذاتها بسبب المقاطعين الدائمين، وبالتالي تتعثّر في موضوع صلاحيّاتها. والشعب يزداد فقرًا بسبب هذه الممارسات».
جاء كلام الراعي ضمن القداس الإلهي الذي ترأسه في أحد بشارة زكريّا وبمناسبة اليوم العالمي السابع للفقراء في الصرح البطريركي-بكركي. وتوجّه الراعي إلى المسؤولين قائلًا: «لا يحقّ لكم، أيّها المعطّلون الاستمرار في عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة. لا يحقّ لكم أن تخلقوا أزمات وعقدًا جانبيّة بدلًا من المباشرة الفوريّة بانتخاب الرئيس فتحلّ عقدكم، وتكفّوا، إذا سلمت نواياكم عن سياسة المتاجرة الرخيصة.
لا يحقّ لكم أن تتلاعبوا باستقرار المؤسّسات وعلى رأسها مؤسّسة الجيش، وبروح الكيديّة والحقد والانتقام. اذهبوا إلى المجلس النيابي وانتخبوا رئيسًا للجمهوريّة، وأوقفوا المقامرة بالدولة واستقرارها وشعبها وكرامته. وهكذا تنحلّ جميع عقدكم المقصودة لغايات رخيصة».
وجاء في عظة الراعي ما يأتي:
«لا تحوّل وجهك عن فقير» (طوبيا 4: 7)
1. تحتفل الكنيسة في هذا الأحد باليوم العالميّ السابع للفقراء، الذي أنشأه قداسة البابا فرنسيس، ليكون يوم تضامن وجمع مساعدات للفقراء، عملًا بوصيّة طوبيت لابنه طوبيا: «تصدّق من مالك. ولا تحوّل وجهك عن فقير»(طوبيا 4: 7). وهي الوصيّة التي ترقى إلى مئتي سنة قبل المسيح. وقد اختارها البابا فرنسيس موضوعًا للنداء الذي وجّهه في هذه المناسبة. اختارها من العهد القديم للدلالة على أنّ المحبّة تجاه الفقراء واجب إنسانيّ ودينيّ شامل.
فيسعدني وصاحب الغبطة مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان، وسيادة المطران إدوار ضاهر ممثّلًا غبطة البطريرك يوسف عبسي، وممثل سيادة السفير البابوي، والسادة المطارنة والرؤساء العامّين والرئيسات العامّات، وهذا الجمهور من الإخوة والأخوات، أن أرحّب بكم جميعًا، شاكرًا كلّ الذين ساهموا في تنظيم هذا الاحتفال بجميع مضامينه، وأخصّ بالشكر مؤسّسة L’Œuvre d’Orient، وقد حضر بشكل خاصّ للمناسبة من باريس مديرها العام الخورأسقف باسكال غولنيش. وأحيّي ممثّله الدائم في لبنان وسوريا والأردن عزيزنا السيّد فنسنت غيلو ومعاونيه. ويطيب لي أن أرحّب بالمدارس والمؤسّسات الاجتماعيّة المشاركة في إحياء هذا اليوم المبارك بإداراتها وطلّابها.
2. وتحتفل كنيستنا المارونيّة ليتورجيًّا بأحد البشارة لزكريا بمولد ابنه يوحنّا الذي تنتهي معه مرحلة العهد القديم وتبدأ مرحلة مجيء المسيح. فيوحنا هو آخر نبيّ وأوّل رسول، وهو بالنسبة إلى مجيء المسيح الفادي بمنزلة الفجر قبل طلوع الشمس. بالبشارة لزكريّا أُعلنت رحمة الله من خلال اسم يوحنّا المعطى من الملاك، ويعني «الله رحوم"، بالعبريّة «يهو-حنان". إنّ تجلّيات رحمة الله تظهر بامتياز في محبّة الفقراء ومساعدتهم. البشارة لزكريا تعلّمنا أنّ صلاتنا لا بدّ وأن تُستجاب، وأنّ رجاءنا بقوّة الله لا يخيب. وتعلّمنا أيضًا أنّ المسيح كلمة الله شقّ دربه نحونا على الرغم من شكّ زكريّا الكاهن، وعقم أليصابات، وصعوبات الحياة: السنّ واليأس وألسنة الناس.
3. جميع رعايانا تحتفل مع كهنتها ومطارنة الأبرشيات بهذا اليوم من الصلاة والتضامن وجمع المساعدات بمختلف المبادرات لإخوتنا الفقراء الذين يتزايد عددهم بسبب الأزمات السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة، ولا سيما المتأثّرين من التوترات في جنوب لبنان، ونزوح كثيرين من أهالي بلدات المنطقة الحدودية إلى بيروت والمتن وكسروان وجبيل.
يكتب قداسة البابا في مستهلّ ندائه: «إنّ نهر الفقر يجتاز مدننا ويكبر أكثر فأكثر حتى يفيض. ويبدو أن هذا النهر يغمرنا، وصراخ الإخوة والأخوات الذين يطلبون المساعدة والدعم والتضامن يعلو ويزداد» (الفقرة 1).
4. بالأمس جاءنا وفد من بلدات الشريط الحدودي عين إبل، ودبل، والقوزح، ورميش، وعلما الشعب، والقليعة. وشرحوا لنا معاناتهم: 70% نزحوا إلى بيروت والمتن وكسروان وجبيل، وأُقفلت المدارس والقسط الأوّل لم يؤمّن، واستحقاقات المعلّمين والموظّفين موجبة عدالة وإنسانيّة. جاء الوفد يطلب مساعدات مدرسيّة واستشفائيّة وغذائيّة. وفوق ذلك يطالب بأمن المنطقة وتجنّب التوترات والمناوشات، وتأمين تحرّك السكان إلى عملهم. فالأمر يقتضي كثيرًا من ضبط النفس والحكمة، وتجنّب الحرب وويلاتها على الجميع.
5. في هذا الجوّ ومن أجل الإحتفال باليوم العالميّ السابع للفقراء، قرّر مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان (الذي عُقِد بين 6 و9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري)، أن تتبرّع البطريركيّات والأبرشيّات والرهبانيّات بمبالغ ماليّة، فضلًا عمّا تقدّم عاديًّا من المساعدات الماليّة والماديّة؛ وقرّر المجلس أن تخصَّص صواني هذا الأحد وتُضمّ حصيلتها إلى المبالغ الـمُقدّمة من البطريركيّات والمطرانيّات والرهبانيّات لمساعدة أهالي الجنوب المنكوبين ولمساعدة الفقراء.
ومعلوم أنّ جمع الصواني في الكنائس الرعائيّة هو من صميم أفعال التقوى والعبادة لله الذي أعطانا كلّ شيء حتى ذبيحة ذاته لفداء خطايانا وجسده ودمه لبثّ الحياة الإلهيّة في نفوسنا. فقبل أن يوصي طوبيت ابنه «بألّا يحوّل وجهه عن فقير» (طوبيا 4: 7) أوصاه: «اذكر الربّ جميع أيّامك. لا ترضَ بأن تخطأ وتتعدّى وصاياه. اعمل أعمال الخير جميع أيّام حياتك، ولا تسلك سبل الإثم. فإن عملت بالحقّ، نجحت في أعمالك» (طوبيا 4: 5-6).
6. في عهد ربّنا يسوع كانت العادة أن يضع المؤمنون مساعداتهم في صندوق التبرعات على مدخل الهيكل عند دخولهم. «فجلس يسوع ذات مرّة تجاه الصندوق ينظر كيف يلقي الجميع فيه نقودًا من نحاس. فألقى كثيرون من الأغنياء شيئًا كثيرًا. وجاءت أرملة فقيرة فألقت فلسًا. فقال يسوع لتلاميذه: هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من الجميع، لأنّها ألقت كلّ ما تملك، كلّ رزقها» (مر 12: 41-44).
في عهد الجماعة المسيحيّة الأولى، نجد مشهدًا شبيهًا بما ندعو إليه اليوم، يرويه كتاب أعمال الرسل: «في تلك الأيّام نزل بعض الأنبياء من أورشليم إلى أنطاكية، حيث دُعي تلاميذ يسوع لأوّل مرّة مسيحيّين. فقام أحدهم واسمه أغاباس، فأخبر بوحي من الروح أن ستكون مجاعة شديدة في المعمور كلّه، وهي التي حدثت في أيّام كلوديوس. فعزم التلاميذ أن يُرسلوا ما تيسّر عند كلّ منهم، إسعافًا للإخوة المقيمين في اليهوديّة. وفعلوا ذلك، فأرسلوا معونتهم إلى الشيوخ بأيدي برنابا وشاول-بولس» (أعمال 11: 29-30).
7. في أيّامنا، تُخصّص بعض صواني الآحاد في الرعايا لغايات محدّدة في بحر السنة، وعلى سبيل المثال: «صينيّة فلس مار بطرس» للمساهمة في مبادرات المحبّة التي يرسلها قداسة البابا حيث تحدث كوارث طبيعيّة، وصينيّة التعليم المسيحيّ في المدارس الرسميّة، وصينيّة الرسالات، وصينيّة المركز الكاثوليكي للإعلام، وصينيّة الجمعة العظيمة لمساعدة حراسة الأراضي المقدّسة، وسواها وفقًا لما يطرأ من حاجات.
ومعلوم أنّ ما تملكه الكنيسة أو تكسبه يُدعى وقفًا ذا صفة المؤبّد، ويخصّص ريعه لأربعة أهداف: دور العبادة الإلهيّة، وأعمال الرسالة، وأفعال المحبّة تجاه الفقراء، والدعوات الإكليريكيّة ومعيشة الكهنة (القانون 1007 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقيّة).
8. إنّ «نهر الفقراء الذي يجتاز مدننا ويكبر أكثر فأكثر حتى يفيض»، وقد استهلّ به قداسة البابا فرنسيس نداءه لهذا اليوم، إنّما ينطبق على حالة شعبنا في لبنان، بسبب سوء الممارسة السياسيّة، ولا سيما في المؤسّسات الدستوريّة وعلى الأخصّ في المجلس النيابي الذي لا يضطلع عمدًا بواجبه الأوّل والأساس وهو انتخاب رئيس للجمهوريّة، ويغيّب السلطة العليا في البلاد منذ سنة. فيتعثّر هذا المجلس ويفقد مسؤوليّته في التشريع والمحاسبة والمساءلة. كذلك في حكومة تصريف الأعمال المنقسمة على ذاتها بسبب المقاطعين الدائمين، وبالتالي تتعثّر في موضوع صلاحيّاتها. والشعب يزداد فقرًا بسبب هذه الممارسات. فنقول معكم:
لا يحقّ لكم، أيّها المعطّلون الاستمرار في عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة. لا يحقّ لكم أن تخلقوا أزمات وعقدًا جانبيّة بدلًا من المباشرة الفوريّة بانتخاب الرئيس فتحلّ عقدكم، وتكفّوا، إذا سلمت نواياكم عن سياسة المتاجرة الرخيصة. لا يحقّ لكم أن تتلاعبوا باستقرار المؤسّسات وعلى رأسها مؤسّسة الجيش، وبروح الكيديّة والحقد والانتقام. اذهبوا إلى المجلس النيابي وانتخبوا رئيسًا للجمهوريّة، وأوقفوا المقامرة بالدولة واستقرارها وشعبها وكرامته. وهكذا تنحلّ جميع عقدكم المقصودة لغايات رخيصة.
9. إنّنا نؤكّد نداء مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان: «في هذا الظرف الأمني الدقيق، والحرب دائرة على حدودنا الجنوبيّة، من الواجب عدم المسّ بقيادة الجيش العليا حتى انتخاب رئيس للجمهوريّة. ولا يجوز الاعتداد بما جرى في مؤسّسات أخرى تجّنبًا للفراغ فيها. فالموضوع هنا مرتبط بالحاجة إلى حماية شعبنا، وإلى حفظ الأمن على كامل الأراضي اللبنانيّة والحدود، ولا سيما في الجنوب، بموجب قرار مجلس الأمن 1701، فأيّ تغيير على مستوى القيادة العليا في مؤسّسة الجيش يحتاج إلى الحكمة والتروّي ولا يجب استغلاله لمآرب سياسيّة شخصيّة».
(تستمر القصة أدناه)
اشترك في نشرتنا الإخبارية
أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء
10. فلنصلِّ إلى الله سيّد التاريخ كي تتجلّى رحمته، فينعم على الأراضي المقدّسة بالسلام وإيقاف الحرب، كي تتسّع محبّة القلوب وتنفتح أيادي السخاء لإخوتنا الفقراء. له المجد والشكر الآن وإلى الأبد. آمين.
تأسست وكالة الأنباء الكاثوليكية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "آسي مينا" في 25 آذار 2022، عيد بشارة السيّدة مريم العذراء، بعد عام واحد على الزيارة التاريخية للبابا فرنسيس إلى العراق. "آسي مينا" جزءٌ من مجموعة CNA/ACI، وهي إحدى خدمات أخبار EWTN.
الأكثر قراءة
1
2
3
4
5
رسالتنا الحقيقة. انضمّ إلينا!
تبرّعك الشهري يساعدنا على الاستمرار بنقل الحقيقة بعدل وإنصاف ونزاهة ووفاء ليسوع المسيح وكنيسته
جدّد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي دعوته المجلس النيابيّ اللبناني إلى الاضطلاع بواجبه الدستوريّ الأساسيّ، و«هو الالتزام بدورات متتالية لانتخاب رئيس للجمهوريّة قبل أيّ عمل آخر. فالمرشحون متوفّرون وكلّهم أكفّاء». وأضاف الراعي في خلال ترؤسه القداس الإلهي صباح اليوم في الصرح البطريركي، بكركي: «على هذا الأساس نرفض رهن انتخاب الرئيس لشخص معيّن أو فئة أو حزب أو مشروع؛ ونرفض البقاء من دون رئيس، فيما أوصال الدولة تتفكّك، والمؤسّسات الدستوريّة والعامّة تتهاوى، والشعب يفتقر ويتسوّل، وقوانا الحيّة تهاجر إلى أوطان أخرى، والدستور يُنتهك».
أكّد البطريرك الماروني الكاردينال بشاره بطرس الراعي أنّ «من المعيب حقًّا أن نسمع كلامًا عن إسقاط قائد الجيش في أدقّ مرحلة من حياة لبنان وأمنه واستقراره وتعاطيه مع الدول». وتعليقًا على الحرب في الأراضي المقدّسة قال الراعي في خلال ترؤسه القداس الإلهي في الصرح البطريركي، بكركي: «الحلّ الوحيد الذي يجلب السلام إنّما هو قيام الدولتين بنتيجة المفاوضات والحوار الهادئ والمسؤول. لقد آن الأوان لإعطاء الفلسطينيّين حقّهم. إنّ كل الذين التقيناهم في روما عبّروا عن تخوّفهم من امتداد الحرب إلى لبنان».