1. بهذا التعريف الذاتي، أجاب ربّنا يسوع عن سؤال اليهود: «إلى متى تُبقي نفوسنا حائرة؟ إن كنت أنت المسيح، فقله لنا صراحة» (يو 10: 24). فصارحهم بأنّهم لا يؤمنون: لا بكلامه، ولا بأعماله الشاهدة أنّه ابن الله المرسل من الآب لخلاص العالم. وأضاف: «أنا الذي قدّسه الآب وأرسله إلى العالم» (يو 10: 36).
2. يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا، مع توجيه تحيّة خاصّة إلى أولاد المرحومَين صبحي ونديمة فخري من بلدة بتدعي البقاعيّة في الذكرى السنويّة التاسعة لاغتيالهما من دون أي وجه حقّ أمام دارتهما على يد عصابة من المنطقة معروفين وفارّين من وجه العدالة. ولم يشأ أولاد الضحيّتين الأخذ بالثأر بل تركوا الأمر للمراجع القضائيّة المختصّة. فإننا نصلي لراحة نفسيهما ولعزاء أسرتهما.
3. تحتفل الكنيسة اليوم بأحد تجديدها بحيث تتجدّد بأبنائها ومؤسّساتها، وتجدّد إيمانها بالمسيح «شمس» العالم الذي تدور حوله، مثلما تدور الأرض حول الشمس، وتستمدّ منه نور الكلمة، وحياة النعمة، وحرارة المحبّة. تجديد البيعة يعني الإعلان المتجدّد لسرّ المسيح، الذي ينكشف فيه سرّ الله الواحد في الطبيعة والمثلّث الأقانيم: الآب الخالق مصدر المحبّة الشاملة لجميع البشر، والابن الفادي مصدر النعمة التي تفتدي وتخلّص كلّ إنسان، والروح القدس المحيي مصدر الحياة الإلهيّة في الإنسان. في ضوء سرّ المسيح تعلن الكنيسة سرّ الإنسان المخلوق على صورة الله، والمفتدى بدم المسيح، والصائر هيكل الروح القدس، والمدعوّ ليكون شريك الله في صنع التاريخ. وهو بالتالي صاحب كرامة وقدسيّة ومصير نهيويّ خالد. فلا يحقّ لأحد أن يعتدي على حياة أي إنسان.
4. إنّ الإحتفال بتجديد البيعة (الكنيسة) الذي يبدأ اليوم ويدوم طيلة الأسبوع، يعني أيضًا التعمّق اللاهوتي والروحيّ في إيماننا المسيحيّ، كي نتمكّن من تقديمه للإنسان المعاصر، في أيّ حالة وظرف ومكان شخصيّ أو جماعيّ كان؛ وكي نتمكّن من إعلانه للفقير والغنيّ، لصاحب السلطة والمواطن، للمريض والمعوّق، للشاب والعجوز. ترفق الكنيسة إعلان الإيمان بالحوار الصادق وشهادة المحبّة، وتجسّده بتعزيز ثقافة السلام من خلال التضامن الفعّال تجاه الفقراء والمتألّمين، مع التعاون في تأمين حياة لائقة لجميع الشعوب. نعم، نحن مدعوون اليوم لنجدد هذا الايمان فنكبر وننمو فيه.
5. يسوع المسيح موضوع إيمان لا جدال، كما فعل اليهود. فالكنيسة تجدّد إيمانها به وتعلنه للعالم فاديًا وحيدًا، ومخلّصًا وحيدًا للجنس البشريّ. وفيما اليهود يجادلونه ويماحكونه ويحاولون بجميع السُّبل إلغاءه، يعلن عن حقيقة نفسه أنّه المسيح: «راعي الخراف، وابن الله المرسل من الآب إلى العالم، ليقود الناس إلى الله» (راجع يو 10: 27-29).
6. أمّا سؤال اليهود «إلى متى تريب نفوسنا؟ فإن كنت أنت المسيح، فقله لنا علانية» (يو 10: 24). هو سؤال يُطرح كلّ يوم. فالإنسان يبحث بشكل دائم عن خلاصه الروحيّ والماديّ والثقافيّ والاجتماعيّ والسياسيّ والاقتصاديّ. أمّا المخلّص الوحيد فهو يسوع المسيح «ابن الله الذي تجسّد من أجلنا ومن أجل خلاصنا وافتدانا بآلامه وموته وقيامته وصعوده إلى السماء»، كما نعلن في قانون الإيمان، وهو «الذي قدّسه الله وأرسله إلى العالم» (يو 10: 36).