تختتم الكنيسة الكلدانيّة سنتها الطقسيّة بزمن «تقديس الكنيسة»، معتمدةً تدبير البطريرك إيشوعياب الثالث الحديابي (649-659) في تنظيم «السنة الطقسيّة لكنيسة المشرق تنظيمًا رائعًا، بحيث يعيش المؤمنون مراحل تدبير الخلاص عبر مواسم السنة» كما ذكر موقع البطريركيّة الكلدانيّة.
وأوضح الموقع أنه أزال الفوارق بين تقليدَين «سادا قبل زمانه: التقليد الرهباني للدير الأعلى الكائن في الموصل، والتقليد الكاتدرائي لكنيسة كوخي البطريركيّة، ووحّدهما في تقويم طقسي واحد».
يضمّ هذا الزمن الطقسيّ أربعة آحاد، في فترة تأمّل تدوم شهرًا قبل الشروع بزمن البشارة الاستعداديّ لعيد الميلاد. وبحسب كتاب الصلوات الطقسيّة لكنيسة المشرق «الحوذرا»، الأحد الأول من تقديس الكنيسة، الموافق 5 نوفمبر/تشرين الثاني هذا العام، يسمى أيضًا «التجديد» في إشارة إلى عيد تجديد تكريس هيكل أورشليم (1 مك 59:4).
وعن انتقال العيد إلى المسيحية يوضح الموقع ذاته: «يظهر أنّ بعض المسيحيين المهتدين من اليهودية، القاطنين مدينة أورشليم، واصلوا الاشتراك في الاحتفالات المقامة بمناسبة عيد تجديد هيكل أورشليم بعد اهتدائهم، فأراد رؤساؤهم الكنسيّون إبعادهم عن هذه التجربة، لذا أقاموا عيدًا مسيحيًّا منافسًا».
وشرح أنّ «ليتورجيا كنيسة أورشليم هي أمّ الطقوس المسيحيّة، إذ منها استلهمت سائر الكنائس كثيرًا من رتبها ومراسمها، فلا غرابة في أن ينتقل هذا العيد من كنيسة أورشليم إلى الكنائس الناطقة بالسريانية، أي كنيسة المشرق الكلدانية-الآشورية والكنيسة المارونية والكنيسة السريانية».
وفيما يقتصر الاحتفال بهذا العيد على أسبوع واحد لدى اليهود، امتدَّ عند المسيحيّين إلى أسابيع تسمّى زمن «تقديس وتجديد الكنيسة» وهي أسبوعان لدى الموارنة والسريان، وأربعة أسابيع لدى المشارقة من الكلدان والآشوريين.
أجمع علماء الطقوس على القول إنّ أصل «زمن تقديس الكنيسة» مرتبط باحتفال سنوي لاستذكار تكريس أحد المعابد، متحوِّلًا من مفهومه الماديّ كاستذكار «لتكريس بناية كنيسة ما إلى المعنى الروحي-اللاهوتي، أي التأمّل في صفات الكنيسة جسد يسوع السريّ، أي شعب الله» ليتوسَّع الاحتفال به من يوم واحد الى أسابيع، بحسب موقع البطريركيّة.
ولا أجمل من نختم بما قاله الربان بريخيشوع في مقاله «تفسير السنة الطقسيّة» عن زمن تقديس الكنيسة: «إنّ الكنيسة المقدّسة، عروس المسيح المكوَّنة من القدّيسين، المؤمنين الصادقين، ستخرج للقائه بفرح، وهي تبجّله بكلّ كرامة، إذ إنّ الختن الحق، يسوع مخلّصنا، يأخذ الكنيسة عروسه ويصعدها معه إلى السماء، ويدخلها خدره ويجلسها عن يمينه ويمتعها بكل أنواع الخيرات التي لا تزول، وتفرح وتبتهج وتجذل به وترنِّم التسابيح مع الجموع السماوية بأنغام شجية وبألحان عذبة».
ترتل الكنيسة في ليتورجيتها وطقوسها ما حصلت عليه من معاني، دروس، احداث وافعال خلاصية، قدمها الله بيسوع المسيح الذي بحريته واجه الموت. ليلة القبض على يسوع، ليست فقط ليلة عسيرة لانه ليلة الموت، ولكنها ايضا محطة انتقال وعبور للانسانية من واقعها المظلم نحو الحياة المستنيرة، حياة الخلاص المسيحي.